: آخر تحديث

تجارب التعايش في البحرين

21
19
23
مواضيع ذات صلة

في الوقت الذي تصرخ فيه وسائل التواصل الاجتماعي بدعوات الاصطفاف والحقد والكراهية والعنف، نجد أن هناك مراكز مجتمعية راقية تسعى لتعزيز الأمن والاستقرار، ونشر ثقافة التعايش والتسامح والسلام، فبحجم الأضرار التي تحدثها وسائل التواصل الاجتماعي بسبب رسائلها المسمومة نرى في الجانب الآخر مراكز حضارية تسعى لتعزيز العلاقات بين البشر، وهي ظاهرة جديدة لم تتعدَ السنوات القليلة.

فمنذ تدشين إعلان مملكة البحرين في التسامح والتعايش والسلام بالعام 2017 ودعاة السلام ومحبي التعايش وهم يقدمون المحاضرات والندوات وورش العمل لزيادة وعي المجتمع بأهمية العلاقات البشرية، وهو الأسلوب الحضاري القائم على الحوار المباشر لمعرفة الآخر مع احترام خصوصيته الدينية والثقافية.

قبل أيام استضاف جاليري مون لايت بمنطقة سترة فعالية حملت عنوان (تجارب التعايش في مملكة البحرين)، وهي تجربة جديدة من الحوار مع أتباع الأديان والمذاهب لمعرفة مستوى تقبل المجتمع لثقافة التعايش، والمساهمة في تعزيز تلك الثقافة، وهذا العمل لا يمكن القيام به إلا من خلال فعاليات مجتمعية تؤمن بالتعايش والسلام والتسامح، بل وتقدم تجارب جديدة لتعزيز هذا الجانب، إذ لا يمكن إسناد هذا العمل لأشخاص وجمعيات ومؤسسات أصلاً قائمة على الأنا والأحادية ورفض الآخر والأقصاء!.

في الغالب نجد أن الفعاليات التي تشارك في مشاريع التعايش ليس لها علاقة بهذا الجانب، وأقصى ما تقدمه تجارب لأشخاص مضى عليهم سنين عديدة، فيتم استجلاب تجاربهم ومبادراتهم ومقولاتهم، والحقيقة أن المجتمع يحتاج إلى تجارب ومبادرات معاصرة، ولها خصوصية مجتمعية، إذ لا يمكن الحديث عن تجربة في أمريكا أو أوروبا لإسقاطها على دولنا، نحن بحاجة إلى تجارب من فقه الواقع الذي نعيشه، تجارب حقيقة تعكس الصورة الحضارية بين المسلمين والمسيحيين واليهود والهندوس والبهائية والسيك والبوذا وغيرهم، وكيف استطاعت البحرين بمؤسساتها الرسمية والأهلية من تعزيز العلاقة بينهم.

عند مراجعة الكتب أو المواقع الإلكترونية نجد أن هناك الكثير من العنوانين المتعلقة بالتسامح والسلام، ولكن المكتبات تفتقد إلى كتب تتحدث عن التعايش السلمي بين أتباع الأديان والمذاهب، وهو السياج الأخلاقي بين الناس في المجتمع الواحد، السياج الذي يحتمي به الناس رغم اختلاف المعتقد والمذهب والثقافة، وهذا ما نحتاجه اليوم حين نرى الصراع في بعض الدول بسبب الاختلاف والتباين رغم أنهم جميعهم يعودون إلى إبراهيم ونوح وآدم عليهم السلام.

هناك الكثير من المبادرات الحضارية التي تم رصدها بالمجتمع البحريني، وأغلبها بمؤسسات المجتمع المدني التي حملت شعار، التعايش، الحوار، التسامح، السلام، المحبة، وإن كانت جهود مبعثرة ولكنها تعكس حراكًا مجتمعيًا كبيرًا، فمن تلك التجارب وأبرزها هي الحوارات المنزلية لأتباع الأديان، فقد شهدت تلك المبادرات تجاوبًا كبيرًا حين يجتمع أتباع الأديان في أحد المنازل أو المجالس للحديث عن المشتركات بين البشر، مثل التربة والهواء والماء والشواطئ والنظافة وغيرها، وهي أمور يشترك فيها الجميع لأهميتها، وقد انطلقت تلك المبادرات تقريباً من العام 2007، وحققت الكثير من المكاسب مثل تقريب وجهات النظر، ومعرفة الآخر.

التميز الذي حظيت به البحرين يعود إلى تنوعها الديني والثقافي، ومستوى الحرية الدينية التي يتمتع بها الجميع في ظل الدولة والقانون، لذا من الأهمية الاستفادة من ذلك بتعزيز التعايش الأسري، وفتح قنوات الحوار لمناقشة القضايا المجتمعية، فلم يعد العالم دولاً منعزلة، بل هو اليوم قرية صغيرة يعيش فيها كل البشر، وينتقل التعايش بعد المنزل إلى محاضن التربية والتعليم والأعمال، فتلك المؤسسات بحاجة ماسة لتعزيز مفهوم التعايش بين الزملاء والأصدقاء، ولا يمكن أن يتحقق الهدف المنشود والمؤسسة تعيش حالة من التنافر والتباعد، من هنا تأتي أهمية مراجعة المناهج الدراسية والعلاقة الوظيفية، وكلما ارتفع مستوى فهم التعايش تطور العمل وزادت الإنتاجية.

في المحاضرة التي احتضنها جاليري مون لايت وقف الجميع على أهمية دور المعنيين بالشأن الديني ومحبي السلام في شتى المجالات، لا بد أن يقوموا بدورهم ومسؤوليتهم التاريخية والوطنية لتعزيز التعايش بين الناس.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد