: آخر تحديث

تركيا.. أردوغان والتحديات

18
15
17
مواضيع ذات صلة

طوت تركيا صفحة الانتخابات الرئاسية في الجولة الثانية، بالتجديد للرئيس الحالي رجب طيب أردوغان. وهي المرة الأولى بعد انتخابات 2014 و2018 التي يفشل فيها أحد في الفوز من الدورة الأولى.
نال أردوغان 52 في المئة من الأصوات، مقابل 48 في المئة لمنافسه مرشح المعارضة كمال كيلتشدارأوغلو، وفي المحصلة العددية نال أردوغان 27 مليون صوت، وكيلتشدار أوغلو 25 مليون صوت، أي بفارق مليوني صوت ونيّف.

وتعكس هذه النتيجة انقساماً عمودياً خطراً في المجتمع التركي من خلال تشريح طبيعة الكتلة التي أيدت أردوغان، وتلك التي أيدت كيلتشداراوغلو.

تألفت الكتلة المؤيدة لأردوغان من شريحتين أساسيتين:
1- الكتلة المحافظة الدينية وتقدر ب 40 في المئة، وهي تصب بأكملها تقريباً لحزب العدالة والتنمية، وزعيمه أردوغان.

2- الكتلة القومية المتشددة المنتمية لحزب الحركة القومية وبلغت 10 في المئة، و2.5 في المئة للمرشح الذي خرج من السباق سنان أوغان.

  وتؤكد الدراسات أن حجم الكتلة القومية والمحافظة في تركيا يقارب الـ65 في المئة. ولو حذفنا منه عشرة في المئة ينتمون لأسباب سياسية وشخصية للحزب الجيد بزعامة مرال آقشينير، المنضم للمعارضة، لأمكن القول إن التيار القومي- الديني هو الذي يتحكم في مسار النتائج. والدليل على ذلك أن أردوغان نال النسبة نفسها، أي 52 في المئة في انتخابات 2014 و2018 و2023، على الرغم من تباين الظروف المحيطة بانتخابات كل عام من تلك الأعوام. بل أكثر من ذلك عندما كانت الفرصة متاحة، نظرياً وعملياً، لخرق المعادلة وفوز كيلتشدار أوغلو لم يتراجع ولم يرتفع حجم الكتلة التي صوّتت لأردوغان.

 حين نقف عند واقع أن كتلة أردوغان هي من فئة واحدة قومية- دينية، وتفتقد في صفوفها كل المكونات الأخرى المتبقية الكردية والمذهبية والعلمانية واليسارية، ندرك ان هذا الانقسام ليس سياسياً، بل هو قومي ومذهبي وأيديولوجي.

  وهذه المقاربة هي التي تفسر لنا كيف يمكن لأردوغان أن يفوز على الرغم من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي كان المواطن يمّر بها، وكان يقدّر أن تحرم أردوغان من عوامل قوته التقليدية، وهي الاقتصاد. وهي التي تفسر الفوز على الرغم من النتائج الكارثية لزلزال 6 فبراير/ شباط الفائت.

  إذا كان هناك اتفاق على الدور الحاسم للعامل القومي- المحافظ فإن هناك عوامل أخرى إضافية ساهمت في فوز أردوغان، مثل الماكينة الإعلامية الهائلة التي امتلكها، مقابل تلك المتواضعة لدى المعارضة. كذلك التقديمات المالية الهائلة التي أعطاها تحت صيغ مختلفة للمواطنين. ولا ننسى الدعم الخارجي لبعض الدول لتعزيز حظوظ أردوغان.   

   وربما لعبت الدعاية القائلة بأن الولايات المتحدة والغرب يريدان إسقاط أردوغان، وفي هذا جانب من الحقيقة، دور في استنفار العصبية الوطنية التركية، ودفعت البعض للتصويت لأردوغان ليس حباً به، بل استنفار لهذه العصبية ضد التدخلات الخارجية. وهذا يمكن أيضاً أن ينسحب على تدخلات دول أخرى لمصلحة أردوغان، لا ضده.

  انتهت الانتخابات الرئاسية ويمكن للمعارضة ان تأخذ منها دروس أسباب الفشل، ويمكن لأردوغان أن يتطلع إلى أن يكون رئيساً للجمهورية، أي لكل الأتراك. وهذا تحدٍ داخلي جدّي، إذ إن الأزمات العرقية والمذهبية والإيديولوجية تفتك بمناعة المجتمع التركي، وهي مشكلات بنيوية لا يمكن من دون حلها أن يعرف المجتمع استقراراً وتطوراً.

  ويواجه أردوغان في حقبته الجديدة تحدي تصحيح علاقات تركيا الخارجية. وستكون إقامة علاقات متوازنة بين الغرب وكل من روسيا وإيران أحد التحديات التي تقف أمام تركيا. غير أن تطوير العلاقات مع العالم العربي يفترض أن يكون أولوية تركية، وأولها العلاقات مع سوريا، الملف الأكثر دقة وحساسية وخطورة، وهو الملف الذي يشكل العنوان الأبرز لمدى نجاح تركيا، من عدمها، في إقامة علاقات خارجية سوية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد