: آخر تحديث

المتنبّي واستراتيجيّة التنمية

14
17
18
مواضيع ذات صلة

هل لاستشراف المستقبل نسبيّة وحدود؟ في الماضي كان التخطيط البعيد أيسر وأقل أخطاء؛ لأن التحولات الكبيرة كانت بطيئة، بالتالي كانت المخططات في مأمن من المفاجآت التي تغيّر الأوضاع 180درجة. كان سهلاً على الدول الكبرى، بريطانيا العظمى بالذات، أن تضع على عينيها عدستين من طراز مقلتي زرقاء اليمامة، وتنطلق تجول وتصول في الأرجاء. 

التخطيط البعيد هو الذي كان عزيز المنال. كانت الخطط الخمسية في التنميات المتعثرة تبدو من قبيل المعجزات.

منذ الربع الأخير من القرن العشرين صارت التحولات ذات الانعكاسات الفعّالة وأحياناً الحيوية تحدث كل عشر سنوات، وربما أقل، ما يجعل التخطيط البعيد يحتاج إلى أدمغة استشراف غير عادية، وسيكون في كل عقد أصعب فيلوح لمن يتهيّبون القمم الشماء مغامرات محفوفةً بالمخاطر. دولة الإمارات أرست قواعد الخمسين الثانية من عمر دولة الاتحاد ببنود واعية شملت كل جوانب التنمية الشاملة، ليكون الوطن بكامله موكباً واحداً. ليس من السهل تصوّر ما سيكون عليه العالم في منتصف القرن، فالإدارة الفائقة وحدها تستطيع أن تتخيّل مشاهد الدنيا سنة سبعين، حين تبلغ الإمارات عامها المئة.

«العقل الاستراتيجي» في الشعر العربي، أبو الطيب المتنبي، شغلته هذه الأفكار، هو مفتون بالقوة، طاقة جامحة طامحة إلى تحقيق الانتصارات بلا هوادة، لكنه لا يلغي التخطيط الاستراتيجي ودراسة جدوى الغايات. طريف، كأن في يده آلة منطقية حاسبة: العاطفة الانفعالية تنطلق بكل عنفوانها، متحدية محتدمة، لكن من الأفضل ألاّ تنفلت المقاليد. ليس من العقل أن تمتطي صهوة جواد أصيل في السباق من دون لجام، في الزحام: «إذا غامرتَ في شرف مَرومِ.. فلا تقنع بما دون النجومِ... وكل شجاعة في المرء تُغني.. ولا مثل الشجاعة في الحكيمِ». هذه المعادلة راقته، شرب وسقى: «الرأيُ قبل شجاعةِ الشجعانِ.. هوَ أوّلٌ وهيَ المحلّ الثاني... فإذا هما اجتمعا لنفسٍ حرّةٍ.. بلغتْ من العلياء كل مكانِ». النفس الحرّة لدى المتنبي هي تلك التي لا تعرف حدوداً للطموح.
أغلبية العالم العربي، للأسف، لم تُقم للتخطيط الاستراتيجي التنموي وزناً، مع أن التنمية لا تفوت من يريد اللحاق، سوى أن قرار الاستيقاظ ثبت أنه هو الأصعب. الصين تعرف أين ستكون سنة 2049 عند بلوغ ثورة ماو عامها المئة، والإمارات تعلم إلى أين سترقى تنميتها الشاملة عام 2070 عند بلوغ دولة الاتحاد مئتها الأولى. ماذا عمّن يخربون بيوتهم بأيديهم؟

 لزوم ما يلزم: النتيجة الجناسية: أضعف الإيمان ألاّ يكون الاستشراف استشراء للتنميات المتعثرة، فلا رأي عندئذ ولا شجاعة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد