وصلت حرب غزة المفتوحة الى نهاياتها. الآن أتى استحقاق مدينة رفح التي يتأرجح مصيرها على حبل المفاوضات الدائرة في القاهرة حول صفقة نهائية تعيد جميع الرهائن، وتنهي الحرب الواسعة، وتؤسس لغزة ما بعد حكم "حماس" المنفرد في القطاع. توازياً تتأرجح حرب "المشاغلة" التي يخوضها "حزب الله" انطلاقاً من لبنان ضد الشمال الإسرائيلي على حبل المفاوضات النهائية حول غزة، والصفقتين الفرنسية والأميركية المعروضتين على الحزب المذكور وإسرائيل بهدف انهاء التصعيد بسرعة تجنباً لاندلاع حرب واسعة بين إسرائيل و"حزب الله".
اذن، يسير الوضع في غزة ولبنان على حبل رفيع من دون أن يظهر في الأفق بصيص نور يبشر بنهاية سريعة لأطول حرب في المشرق العربي (ما خلا الحرب العراقية – الإيرانية) منذ الحرب العالمية الأولى. لكن المفاوضات حول غزة تصطدم بتقاطع غريب بين قراءتي طرفي الحرب، أي إسرائيل وحركة "حماس". فكلاهما في العمق لا يبحث عن وقف فوري لإطلاق النار قبل انطلاق عملية اقتحام رفح.
طبعاً ان انتهت الحرب عند هذه النقطة، أي من دون اقتحام رفح، ولا اقصاء "حماس" عن حكم غزة ستكون هزيمة مدوية لإسرائيل التي قد تضطر الى انهاء الحرب من دون قطع رأس حركة "حماس". حتى لو استعادت تل ابيب الرهائن، ستمنى بهزيمة واضحة. لكن ثمة مفارقة تلوح في افق عملية رفح المرتقبة. فإذا توقفت الحرب من دون اجتياح رفح سترفع "حماس" شارة النصر من بين الركام تماما كما فعل "حزب الله" في العام2006 . لكن اذا بدأت عملية اجتياح هذا المربع الأخير لحركة "حماس" من المستحيل تجنب وقوع خسائر فادحة بين المدنيين المكتظين بمئات الآلاف على مساحة لا تزيد عن 16 كيلومترا مربعا.
سيكون المشهد مفزعاً بحيث أن العالم سيرفع الصوت عاليا. اضف الى ذلك ان احتمال عودة ايران الى تحريك فصائلها، لاسيما من لبنان، سيكون كبيرا. في هذه الحالة من المحتمل ان تجازف طهران انطلاقا من لبنان برفع وتيرة التصعيد، ربما لعلمها بأن واشنطن ستكون متشددة مع حكومة بنيامين نتنياهو لردعها ومنعها من شن حرب شاملة ضد "حزب الله" نظرا الى التداعيات الإقليمية التي تتجاوز الاطار اللبناني الخالص.
في مطلق الأحوال ستبقى الصفقات المعروضة لوقف التصعيد من لبنان معلقة نظرا الى رفض طهران، بواسطة "حزب الله"، فك ارتباط حرب "المشاغلة" من لبنان عن حرب غزة لأن عين ايران الآن هي مرحلة ما بعد الحرب وعلى المكاسب المعنوية التي يمكن ان تجنيها اذا ما حققت الاهداف الآتية: انهاء حرب غزة من دون اجتياح رفح، او خروج حركة "حماس" من القطاع. وانهاء حرب "المشاغلة" من لبنان توازياً مع حرب غزة من دون ان تشن إسرائيل حربا واسعة تعيد خلط الأوراق من جديد.
واضح أن إيران وإسرائيل تسيران على أرض رخوة جدا في مرحلة معقدة جدا، وخصوصاً في ضوء التسريب الأميركي المتكرر في الأيام القليلة الماضية عن حصول تقدم كبير في ما يتعلق بالاتفاق الأمني الاستراتيجي السعودي-الأميركي، معطوف عليه الحديث عن صفقة تطبيع يجتهد من أجلها الاميركيون لإقناع الرياض بولوج مسار التطبيع مع تل أبيب في مقابل الإعلان عن انشاء دولة فلسطينية مستقلة. هذه الصفقة غير الناضجة في ظل وجود حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل هي التي يُحكى انها تؤرق المرشد الإيراني علي خامنئي الذي اطلق أخيراً تهديداً بنشوب "ثورة شعوب" مماثلاً للذي كان اطلقه قبل "طوفان الأقصى".