: آخر تحديث

مم تخاف فيروز؟

20
12
21
مواضيع ذات صلة

للبرامج والحوارات الإذاعية والتلفازية القديمة، المستلة، من الأرشيف مذاق مختلف، فيها جمال أزمنة مضت، ووقائع أصبحت، اليوم، تاريخاً. وكل من يشاهد القنوات المخصصة لعرض برامج وحوارات وأنشطة ومسلسلات المراحل السابقة يشعر بذلك، كما هي الحال مثلاً مع ما تعرضه قناة «ماسيبرو» المصرية، و«دبي زمان» الإماراتية، وما نستمع إليه على راديو «بي. بي. سي» العربية في برنامج «ذاكرة إذاعة».

قبل يومين استمعت، مصادفة، إلى حوار قصير مع الفنانة الكبيرة فيروز أجرته معها «بي.بي. سي» أثناء زيارة لها إلى لندن لإحياء حفلات فيها، قبل عقود من اليوم. الحوارات مع فيروز قصيرة دائماً، لأنها لا تحب الإسهاب في الحديث، وتميل إلى الإجابة بكلمات مقتضبة عن الأسئلة، بما في ذلك تلك التي يتعمد محاوروها أن تكون طويلة، فهي أبعد ما تكون عن الاستعراض والتباهي، حتى لو كان ذلك بكلمات أو عبارات مواربة.
في هذه المقابلة بالذات تحدثت فيروز، عن هذا الجانب في شخصيتها، قالت للمذيعة ما معناه، ربما يلومني الناس لأني لا أتحدث كثيراً. هذا صحيح، لأن ما أريد أن أقوله تقوله الأغاني التي أغنيها لكم. وهو قول على بساطته ينطوي على بلاغة، لأنه ينم عن درجة عالية من التماهي بينها وفنها، كأنها تقول فيروز هي الأغنية، وهذا يكفي.
لكي نفهم قولها هذا بصورة أفضل، علينا أن نستمع إلى إجابتها عن سؤال آخر في المقابلة نفسها، ورد قبل هذا القول، قالت لها المذيعة: تبدين على المسرح وأنت في كامل الثقة، يبدو أنك اعتدت على مقابلة الجمهور بدون رهبة أو خوف، بعد كل هذه السنوات من الغناء.
ردّ فيروز على هذا القول يمكن إيجازه في الآتي، حين خاطبت المذيعة بلهجتها اللبنانية الآسرة: «كل اللي قلتيه ما في منو شي صحيح»، فما زلت أشعر بالخوف في كل مرة أواجه فيها الجمهور، كأنها أول مرة، ولما سألتها المذيعة: مم يمكن لفيروز أن تخاف في مواجهة جمهور يحبها ويتفاعل معها بحماس وتأثر، قالت الآتي: أخاف من نفسي، فيروز تخاف من فيروز.
شخصية فيروز تنم عن تواضع، لكن حديثها عن خوفها من نفسها لا يندرج في إطار تواضعها، وإنما هو تعبير عن قلق الفنان الأصيل من أن يخيّب أمل محبي فنه فيه.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد