: آخر تحديث

إسرائيل وإيران وخيار الحرب الشاملة

28
17
14

بالرغم من التناقضات بين الدولتين ونظرة كل منهما للأخرى بصفتها تشكل تهديداً وجودياً لها، إلا أنَّ التفاهمات التى يفرضها الواقع لا يمكن تجاهلها؛ فكل من إيران وإسرائيل تمثل نموذجاً لدولة القوة، وتلتقي مصالحهما القومية في العديد من المناطق. فمن منظور الأمن القومي، لم تعد أي دولة منهما بعيدة عن هذه الدائرة، فإيران لها تواجد مباشر على الحدود مع إسرائيل في سوريا ولبنان، ولها وكلاء كحماس والجهاد تنشطان في قلب إسرائيل ذاتها. ولإسرائيل تواجد قريب من الحدود الإيرانية في أكثر من دولة.

المفارقة في سياسة الدولتين أن كلاً منهما توظف العداء للأخرى في سبيل تثبيت وجودها وإضفاء شرعية على سياساتها وقرارتها. فإسرائيل من ناحيتها تحاول أن تصور أن تطوير إيران قدرات نووية يمثل تهديداً لكل أمن المنطقة. والجديد في العلاقة هو سعي إيران لامتلاك القوة النووية تثبيتاً لنظامها ومصالحها الإقليمية الممتدة، ما يعني في المحصلة أن الخيارات تضيق إلى وجوب التعايش والتوافق بين الدولتين على مناطق النفوذ، وإما الحرب الشاملة التي تنهي قوة كل منهما، وإما الحروب والعلميات الجزئية التي تتعامل مع مصادر القوة، وإما بإنشاء تحالفات وقواعد لكليهما قربية في الدول المتحالفة.

علاقة إسرائيل بإيران تمر وجوباً بالعقيدة الأمنية الإسرائيلية، التي تقوم على أحادية القوة الإسرائيلية والحيلولة دون وجود دولة قوية تمتلك قدرات نووية في عموم المنطقة. وتمثل إيران اليوم دولة قوة إقليمية صاعدة، وقد قطعت أشواطاً بعيدة في امتلاك القوة النووية، وخصوصاً بعد انسحاب أميركا من الاتفاق النووي الذي كان ينظم علاقة إيران بأطرافه، وفرض العقوبات على إيران لم يحقق الأهداف المرجوة، فضلاً عن أن إيران ماضية في تطوير قدراتها الصاروخية. والجديد في القوة الإيرانية هو التحولات الإقليمية والدولية في موازين القوى، والحرب الأوكرانية، واتفقات الشراكة الإستراتيجية التي تنظم علاقة إيران بكل من الصين وروسيا، وهما قوتان تسعيان لتغيير بنية النظام الدولي من القطبية والهيمنة الأميركية إلى التعددية القطبية. في المقابل، فإنَّ الاتفاق مع السعودية شكل باباً واسعاً لنسج علاقات جيدة مع دول المنطقة، ونزع مبرراً قوياً من يد إسرائيل. كذلك، يحضر في المعادلة وكلاء إيران من حزب الله وحماس والجهاد، وما تملكه هذه الأذرع من قدرات عسكرية مؤثرة لتلاصقها بإسرائيل.

هذه التطورات تفرض على إسرائيل التركيز على خيارات الحرب غير التقليدية، وذلك بتوجيه ضربات عسكرية لأهداف محددة سواء داخل إيران، أو تستهدف التواجد الإيراني في المنطقة، كما رأينا في ضرب القنصلية الإيرانية في سوريا، والذي أودى بعدد من القادة الإيرانيين، مع التركيز على ضرب المنشآت النووية. وهذا الخيار يشبه في تأثيره الحرب التقليدية، ولكنها ليست تقليدية بوسائلها، إذ لا تشمل حرب جيوش ومواجهات شاملة على الحدود، ولكنها تقوم على الذكاء الاصطناعي والفضاء السيبراني، وإسرائيل متفوقة فيها. يتواكب ذلك مع ممارسة الضغوط الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية وفرض ضغوطات دولية على إيران بهدف خلق تحديات ومشاكل داخلية تقلق النظام الإيراني، كالاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها إيران.

خيار الحرب الشاملة يتجنبه معظم الأطراف، بما فيها الدول العربية الخليجية، التي قد تكون الأكثر تضرراً من التصعيد، مثلما تتجنبه الولايات المتحدة ذاتها والدول الأوروبية، تحسباً للإنزلاق في حرب طويلة على غرار الحرب الأوكرانية، قد يكون لروسيا والصين مصلحة مباشرة فيها لإضعاف الدور الأميركي، في الوقت ذاته، ليس من مصلحة إيران ولا إسرائيل الذهاب في هذا الخيار الذي قد تكون تكلفته بقاء النظام الإيراني ذاته.

إقرأ أيضاً: في سؤال الدولة الفلسطينية

وتبقى الإشكالية الكبرى ليس في الحرب الشاملة، بل في القوة النووية لإيران، وما هي السيناريوهات المحتملة والممكنة؟ كما أشار مئير داغان، رئيس جهاز الموساد من 2002 إلى 2010، فإنَّ إيران تسعى إلى إمتلاك القوة النووية لتضمن بها بقاء نظامها. وهو طرح أكثر من تساؤل عما يمكن أن تفعل إسرائيل لدرء هذا الخطر عنها. وهنا يبرز أكثر من خيار، منها حدوث تغيير في النظام الإيراني ذاته، عبر إقناع إيران وقادتها بأن ثمن المضي قدماً في امتلاك القوة النووية  سيكون باهظاً ومكلفاً. من الخيارات أيضاً إغراق إيران في أزمات اقتصادية تهدد نظامها، والاستمرار في تشديد العقوبات الاقتصادية عليها، واللجوء إلى العمليات السرية، وهي الأكثر واقعية بالنسبة إلى إسرائيل، والتي تجنب النظام الإيراني في الوقت ذاته المواجهة المباشرة، وتحفظ ماء وجهه.

أمام إسرائيل إما التعايش مع إيران النووية، أو قصف المنشآت النووية الإيرانية. والخيار الثاني يحتاج إلى دعم أميركي ويتطلب تزويد إسرائيل بقدرات عسكرية أميركية متطورة جداً لتصل الذراع الإسرائيلية إلى المنشأت النووية المحفورة في قلب الجبال. وعموماً، فقد نجحت إيران في تحقيق العديد من الأهداف بصفتها دولة على شفا الطاقة النووية، وبقراءة السلوك الإيراني، فإيران طامحة وساعية للقوة النووية التي تماثل لها بقاء النظام. ويبقى أن إسرائيل تعتمد على الولايات المتحدة في معالجة هذا الملف الشائك، مع العلم أن الصلة بين أميركا وإسرائيل غير قابلة للكسر.

إقرأ أيضاً: غزة والانتخابات الأميركية

لقد قال نتنياهو يوماً: "التحدى الأول والأكثر الحاحاً هو الجهد المشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة لمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية". ويبقى أن إيران تنظر لنفسها على أنها دولة تملك القدرة النووية. وهذا سيفتح الباب أمام دخول القوة النووية في سياسات دول المنطقة، ما يشير إلى الدخول في مرحلة جديدة من العلاقات الدولية والشراكات الاستراتيجية. وهذا الوضع قد يشير إلى تحولات إستراتيجية في علاقة إسرائيل بدول المنطقة. والسؤال المطروح على طاولة صانعي القرار: هل تدخل المنطقة مرحلة السباق النووي؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف