: آخر تحديث

المقاومة تغير الحسابات

39
37
34
مواضيع ذات صلة

تجارب التاريخ التى غيرت فيها مقاومة الطرف الأضعف حسابات الطرف الأقوى كثيرة، حتى إنها فى بعض الحالات انتصرت عليه رغم التفاوت الهائل فى القوى بينهما.

تجربة الصمود المصرى فى وجه العدوان الثلاثى فى عام 1956 أدت إلى انتصارها، وتغيير خريطة القوى الدولية، وإنهاء سيطرة بريطانيا العظمى، وبزوغ عصر التحرر الوطنى، ونهاية عصر الاستعمار، كل ذلك جرى رغم التفاوت الهائل فى أوزان القوى بين القوات المصرية وجيوش القوى الاستعمارية الثلاثة (بريطانيا وفرنسا وإسرائيل).

إن نجاح تجارب المقاومة ضد الاستعمار المدجج بالمال والسلاح كانت ترجع إلى وجود مشروعية أخلاقية وسياسية وقانونية للطرف الأضعف الواقع تحت الاحتلال، ولذا فإن انتصار مصر، بقيادة عبد الناصر، فى 56 يرجع لأنها لم تتحد الغرب باحتلال السودان أو غيرها، إنما أمم عبد الناصر قناة السويس المصرية، وامتلك أدوات مشروعة أخلاقيًا، وأوراق ضغط شعبية وسياسية ناجعة أدت إلى انتصاره رغم أنه كان الطرف الأضعف فى معادلة المواجهة.

صحيح أن تحدى الغرب فى ذاته لا يقدم بديلًا ولا يحقق نجاحًا حتى لو نال تعاطف قطاع واسع من الناس، فهو يتطلب أيضًا أداءً جيدًا على المستويين المهنى والسياسى، وحسابًا دقيقًا لأدوات القوة وأورق الضغط. ولا تكتفى بالقول لقد أعلنا الحرب وقررنا مواجهة النظام العالمى والقوى الغربية «الظالمة» بالشعارات أو عبر استخدام أدوات غير فعالة تؤدى حتمًا إلى خسارتك المعركة.

إن معادلة الحرب فى أوكرانيا تقول إن هناك صمودًا من الجانب الأوكرانى، رغم الفارق الكبير فى القوى مع الجانب الروسى، فالناس كما هو طبيعى تدافع عن أرضها وبلادها بقوة، وفى نفس الوقت حصلت على دعم اقتصادى وعسكرى من القوى الغربية ساعدها على الصمود.

وإذا قارنا الهجوم الروسى على أوكرانيا بالغزو الأمريكى للعراق فى 2003 فسنجد أن غياب أى دعم إقليمى ودولى للعراق وإنهاك البلد بحصار استمر أكثر من 10 سنوات جعلا قدرته على الصمود محدودة للغاية، وهو على خلاف ما يجرى فى أوكرانيا المدعمة من النظام العالمى بأكمله حتى لو بدا هذا الدعم أقل مما تطلبه أوكرانيا.

صمود أوكرانيا لا يعنى فى هذه الحالة انتصارًا، إنما سيعنى تغييرًا فى الحسابات الدولية، فهو من ناحية غير فى حسابات روسيا التى كانت تتصور حربًا سريعة وخاطفة، وغير فى حسابات الغرب الذى يرغب فى استنزاف روسيا وعزلها، وأن أى أفكار روسية حول ضم أوكرانيا أو احتلالها بشكل دائم لن يكون لها مكان فى التحركات الروسية.

نجاح استراتيجية بوتين فى تحييد أوكرانيا ومنع انضمامها للناتو لايزال راجحًا، ولو كان الشعب الأوكرانى تقبل الهجوم الروسى لتغيرت الاستراتيجية الروسية واعتبرت أن هدفها ضم أوكرانيا مثل القرم، وربما تقدمت نحو بلدان أوروبية مجاورة لها، مثل بولندا ودول البلطيق.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد