هناك قواعد صحافية في كتابة الخبر والمقال ثابتة، بل ترسخت جذورها علمياً ومهنياً في مختلف بلدان العالم، بما في ذلك العالم العربي.. لكن هناك تهوراً حديثاً في الكتابة في مبنى المقال لبعض الكتاب!
أكتب هذا الرأي استكمالاً لمقال سابق بعنوان «نشوة الرأي الواهم»، فقد تمادى من يتصور أنه كاتب محترف، بل بطل موهوم بالكتابة الصحافية وقائد لمدرسة صحافية غير معترف بها، بينما تلك البطولة ليس لها مثيل سوى في الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية الخيالية.
يتميز الكاتب عن غيره في الأسلوب وطرح الرأي المتنوع، فالقارئ له إعجابه، وله أيضاً خياراته في التركيز ومتابعة كاتب عن غيره لشتى الأسباب، وهو تعبير عن حرية في الاهتمام والتبصر والتفكر.
في المقابل، ليس المطلوب من الكاتب التسكع في قلمه يومياً بين خيال موهوم بالصواب، بسبب عدد القراء والمتابعين بعد بروز برامج إحصائية ليست بالضرورة أن تكون سليمة الاتجاه والرصد.. فافتعال الأرقام أصبح واقعاً جاذباً للمال والخيال الواهم أيضاً.
هناك من الكتاب الذين يفضلون الاختصار بالكتابة، وهناك أيضاً من يفضل إعطاء الموضوع حقه التاريخي والموضوعي، وقد يطيل في الكتابة أحياناً وليس دائماً لهذه الأسباب بحسب طبيعة الموضوع والهدف.
لكن الإطالة في كتابة المقال تدفع كثيراً إلى الشعور بالملل لدى القراء، والإجهاد في التركيز والتشتت حتى بلوغ درجة من العزوف في المتابعة والاهتمام لمن يهوى إلى الخضوع لرغبات غير مهنية، من دون إدراك القواعد الصحافية الأساسية.
هناك الكثير من الاختلافات الإيديولوجية والفكرية التي تستوجب الاهتمام والتحليل من الكتاب، ولكن من دون أن يتحول ذلك إلى هدف شبه يومي وشخصي بهدف تحقيق بطولة وهمية أمام جمهور انتقائي.
إن مسؤولية الكُتاب تكمن بالإثراء في ترسيخ الاستنارة والتصدي للانحراف التاريخي والثقافي، وليس في الاجترار لذات الموضوع مراراً كالاسطوانة المشروخة، التي ليس هناك سواها في عقل واهم، وجمهور ربما معظمه غير ناضج فكرياً وإعلامياً ومنحاز مسبقاً للرأي الواهم.
هناك حراج (مزاد) للكتاب الواهمين والمتسكعين ورواج مصطنع لهم.. والسكوت عن هؤلاء يعتبر جريمة أخلاقية بحق المجتمع، ولا يقبل بتلك الجرائم غير الأخلاقية والمهنية إلا من يهوى الإفراط في المجاملة لمن لا يستحقها، وبالتالي إشاعة الفوضى في المجتمع.
ظاهرة الرأي الواهم باتت متفشية في الوسط الإعلامي الكويتي والصحافي تحديداً.. فالمناكفة والسجال وتصدير الرأي الأحادي والتشبيه المقزز للآخرين أصبحت هدفاً يومياً، وكذلك الخوض في جدال فكري مع مَن يتفوق علمياً.. كل ذلك بات تحدياً لا بد من التصدي له.
جل ما نخشاه كثافة العبث في القلم وتضليل الرأي العام، وتصدير النفس الطائفي بين سطور واهمة في الانفتاح والتحرر من القيود الاجتماعية والشرعية لغاية بنفس مريضة، لعقول موهومة بسلامة الرأي وصحته لكتاب موهومين بالبطولة الاجتماعية.