: آخر تحديث

قمة شرم الشيخ... استباق الحرائق

37
42
33
مواضيع ذات صلة

 

مثلت قمة شرم الشيخ التي جمعت الرئيس عبد الفتاح السيسي بالأمير محمد بن سلمان علامة على كثافة المشاريع السياسية والاقتصادية التي تجمع مصر بالسعودية. مع اشتداد احتمال ازدياد الحرائق بالمنطقة، وتوسّع إمكانات الاضطراب تأتي زيارة الأمير لمصر لتثبيت عرى التوافق في مجمل الملفات. وما كانت مصر يوماً بعيدة عن السعودية، ويمكن لأي دولة أن تتمايز عن الأخرى ببعض الرؤى، وقد قالها الأمير من قبل إن التطابق ليس شرطاً لأي تحالف. إن اللقاء الاستراتيجي بين السعودية ومصر والإمارات يمثل ذروة النفوذ المعتدل في المنطقة، وصمام الأمان بوجه عاتيات الرياح.
صرح الرئيس السيسي بأن الإرهاب تمت محاربته بالتوازي مع حركة التنمية، وهذا بيت القصيد في التطور الاقتصادي الذي تقوده السعودية وتؤثر به على دول المنطقة، فالمروحة الاقتصادية التي مثلتها رؤية الأمير 2030 أثرت على عدد كبير من دول المنطقة واستفادت منها، وحتى مجرد أن تهمّ دولة باللحاق بهذه الرؤية أو احتذائها واقتفاء أثرها أو وضع شبيهٍ لها، هذا بحد ذاته يبين الثقل السعودي ومدى تأثيره على المحيط. نعم تمت مواجهة الإرهاب بالتوازي مع التنمية، وهذا تصريح مهم ينقض المقولات القديمة ومنها ما ارتبط بالفترة القومية أن التنمية تأتي بعد هزيمة إسرائيل، فلا حدثت تنمية، ولا هزمت إسرائيل، ونتج عن ذلك ترهل في كل المستويات لدى الدول التي ألقت بكل ثقلها مع القضية الفلسطينية، بينما دول الخليج أكملت إرساء بنيتها التحتية مع دعم الفلسطينيين بحقهم المشروع. تشهد مصر هذه الأيام تنفيذ أحكام بحق الإرهابيين، ومع ذلك تدشن العديد من المشاريع بالشراكة مع أصدقائها الفاعلين، وعلى رأسهم السعودية بوصفها ذات الاقتصاد الأقوى، هنا الفاعلية السياسية.
والسعودية تدعم المكاسب الاستراتيجية التي حققتها إدارة السيسي، ثمة نقاط كبرى سجلت في ليبيا، وقدمت مصر دعماً سياسياً قوياً للسودان، حيث صرحت الإدارة السودانية بأن السيسي ألقى بثقله العالمي من أجل ما وصل إليه السودان اليوم من انفراج كبير، هذا مع التنسيق الكبير بالطبع مع السعودية والإمارات، أما نجاح مصر في مبادرة وقف إطلاق النار بغزة فقد كسبته على مستويين، أولهما: نزع فتيل الأزمة بمنطقة مثل غزة هي جزء من فضاء الأمن القومي المصري، والثاني: اقتناع الإدارة الأميركية بضرورة التواصل مع السيسي بعد هذه الأزمة ويقينها بأن الدور الذي يقوم به من أجل إطفاء الحرائق له قيمته بعد أن كانت تشيح بوجهها عنه.
ما يجمع مصر بالسعودية الهمّ الفكري الأساسي، وهو الإصلاح الديني، وقد ضرب الأمير محمد بن سلمان أمثلة لذلك في حواره التلفزيوني، قطار التنمية أخذ مساره، وإصلاح القوانين قد بدأ بالفعل، والتغيير الاجتماعي قطع شوطاً جيداً، بقي فقط الهمّ لإصلاح فهم المسلمين للإسلام. ما تحدّث به الأمير يعني أن الخلل قائم حتى الآن في فهم روح الإسلام وتعاليمه، يمكن لمصر أن تكون شريكة للسعوديين في هذا المشروع الكبير وذلك عبر شراكة المؤسسات بين البلدين، ثمة تجارب إصلاحية بمصر والسعودية، الإصلاح الذي قاده الإمام محمد عبده لا يمكن اللجوء إليه في هذا العصر، كذلك الحركة الإصلاحية التي قادها الإمام محمد بن عبد الوهاب فقد مضى عليها أكثر من ثلاثة قرون، التحديات التي يواجهها المسلمون اليوم تختلف جذرياً عن التي عالجها الإمامان في عصريهما المختلفين. إن حركة تصحيحية كبرى لمجمل الفهم للإسلام باتت ضرورية للغاية بعد أن نجحت خطط التنمية، لا بد من الالتفات للإصلاح الديني عبر عملٍ مؤسسي شامل.
الرئيس السيسي صرح بعد لقاء الأمير بأن ما يجمع بين السعودية ومصر الاتفاق بين القيادتين على القضايا المشتركة، ومعهما التوافق والتعاضد بين الشعبين، وهنا نوضح أن التحديات التي واجهتها مصر كانت السعودية في طليعة المنقذين، حيث أسهمت السعودية في إنجاح ثورة يونيو (حزيران) التي قادها أبناء الشعب المصري ضد حكم الإخوان المتطرف والجائر، ودافع قادة البلاد عن مصر في جميع المحافل الدولية، ووضعت السعودية أمن مصر من أمنها وكانت مرحلة كسر عظم مع الأميركيين.
نحن نشهد موجة تحولات كبرى توشك أن تمس الأمن الإقليمي كله، الحركات التي نعتبرها إرهابية، تعتبرها دول غربية منظمات سياسية، ثمة انتعاش لحركة طالبان بعد الانسحاب الأميركي، ما جعل حكمتيار يصرح بأنه انسحاب يجر إلى الدم، وكذلك الأمر في مهادنة جماعة الحوثي، والتفهم لموقع نصر الله في الواقع اللبناني، وقل مثل ذلك عن جماعة الإخوان المسلمين التي تدافع عن وجودها في الحكم دول ومؤسسات غربية، وتنظيم داعش كل إمكانيات انبعاثه مجدداً متوافرة، والأخطر منه احتمالات عودة تنظيم القاعدة بشكلٍ أشرس وخصوصاً بعد خطط الانسحابات الأميركية من أفغانستان والعراق.
بإمكان الشراكة بين مصر والسعودية تحقيق قدر عالٍ من التنسيق للاستعداد لأي حرائق محتملة، ما مر به الفلسطينيون من ضربات إسرائيلية بسبب تهور حماس يجب ألا يتكرر، وما عصف بالمنطقة من إرهاب من قبل الحركات الأصولية يمكن العمل من خلاله بشكل مكثف على تقليل احتمالات عودته.
كانت المنطقة ستذهب إلى الجحيم، لولا التنسيق الثلاثي السعودي المصري الإماراتي، هذه القوى المعتدلة لجمت الكثير من المشاريع الجهنمية.
إن السلاح الأساسي بيد هذه القوى المعتدلة يتمثل في الآتي، التنمية بيد، وضرب الإرهاب باليد الأخرى، لا يمكننا الانتظار، ليس هناك وقت للتأجيل، الوقت يداهم الجميع، هذا ما تمثله بالفعل القمة الاستثنائية في شرم الشيخ.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد