منذ بدأت إسرائيل حربها على الشعب الفلسطيني في غزة، وفرنسا توجه عبر مسؤوليها مباشرة رسائل إلى إيران وحليفها "حزب الله" بعدم جر لبنان إلى الحرب. فالمسؤولون الفرنسيون الذين زاروا لبنان، من وزير الدفاع سيباستيان لو كورنو إلى رئيس الاستخبارات برنار إيمييه إلى وزيرة الخارجية كاترين كولونا، وجهوا الرسالة نفسها إلى "حزب الله": اسحبوا السلاح الثقيل ومواقعكم من جنوب الليطاني واحذروا خطورة حرب على لبنان.
وكان أحد كبار المسؤولين في باريس الذي يعرف لبنان والمنطقة قد أكد لـ"النهار العربي" قبل فترة وجيزة أنه عاجلاً أو آجلًا لن تترك إسرائيل تهديد "حزب الله" على حدودها وقد تشن حرباً كارثية على لبنان لن يتمكن من القيام منها. وفيما أبدى مسؤول رفيع المستوى آخر نوعاً من التفاؤل الحذر في عدم احتمال شن إسرائيل حرباً على لبنان في وقت قريب، وقال لـ"النهار العربي" أنه لا يعتقد أنها ستشن حرباً واسعة لأن الجهود الدبلوماسية سعياً إلى تجنبها مستمرة، جاءت مقالة في صحيفة "لو فيغارو" صباح الثلثاء من مراسلها في إسرائيل ليشير إلى "أن أنظار حكومة الدولة العبرية متوجهة من الآن إلى حزب الله، الميليشيا الشيعية القوية التي تعزز هجومها على إسرائيل منذ بدء الحرب"، وأن في الأيام الأخيرة أعلن مسؤولون إسرائيليون أنهم لن يتركوا الوضع في الشمال يغرق، وأن بنيامين نتنياهو قال أمام لجنة الدفاع والخارجية في الكنيسيت إن إسرائيل ستصر على إنشاء منطقة عازلة على حدود الشمال بعد الحرب على غزة وقال: "لن نقوم بتسوية".
وإذ أبلغ اللجنة أنه يفضل الحل الدبلوماسي، قال إنه إذا فشل "فعندئذ سنصل إلى الهدف عسكرياً". كما أن بيني غانتس أثار الموضوع مع وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن مشدداً على أنه "ينبغي وضع حد لهجوم حزب الله". ونقل المراسل عن المسؤولين الإسرائيليين تأكيدهم أنه بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) لا يمكن أن يتركوا على حدودهم الشمالية تهديد ميليشيا قوية مثل "حزب الله".
الملاحظ أن هناك تضارباً في التوقعات والتحليلات لدى كبار المسؤولين في فرنسا. فبعضهم يرى أن إسرائيل و"حزب الله" لن يصعّدا القتال حالياً لمنع حدوث حرب شاملة لأن لا مصلحة لـ"حزب الله" في ذلك كونه يملك كل النفوذ في لبنان والبلد منهار، وهو يدرك أن حرباً مع إسرائيل تنهي البلد. لكن بعضهم الآخر على مستوى صانعي القرار يرى أن إسرائيل بعد 7 تشرين الأول بحاجة إلى تطمين شعبها بأنها ستزيل تهديد "حزب الله" وبأنها ستضرب لبنان عاجلاً أو آجلاً إذا بقيت ترسانته في جنوب الليطاني.
الفريق الأول يعتقد أن الجهود الدبلوماسية التي تبذلها فرنسا بالتنسيق مع الجانب الأميركي ستمنع الحرب، والفريق الثاني يعتقد أن باستطاعة إسرائيل إقناع الحليف الأميركي بأنه يجب إنهاء الميليشيا التي تعتبرها الإدارة الأميركية إرهابية والقضاء عليها بحرب تشنها على لبنان. وتبعاً لهذا التضارب في التحليلات، يتوالى المسؤولون الفرنسيون إلى كل من لبنان وإسرائيل لتذكير الجانبين بخطورة الانجرار إلى فتح جبهة جديدة.
عندما شنت إسرائيل حربها على "حماس" كان ذلك بموافقة معظم الدول الغربية، بما فيها فرنسا التي استعجلت القول إن من حق إسرائيل الدفاع عن النفس، وكررت هذا الموقف مرات عدة حتى تجاوز عدد الضحايا في غزة 20 ألفاً فتراجعت وطالبت بوقف إطلاق النار في مجلس الأمن. لكن في ما يخص أي حرب تستهدف لبنان تدرك إسرائيل أن فرنسا والغرب إجمالاً لن يعتبرا تصعيدها في لبنان دفاعاً عن النفس. وباريس تعمل بالتنسيق مع واشنطن والسعودية وقطر على تجنيب المنطقة تصعيداً يأتي من حرب إسرائيلية على لبنان. كما أن لفرنسا 700 جندي في قوة اليونيفيل في جنوب لبنان من المهم جداً لها ألا يتعرضوا للأسوأ. وينبغي التذكير هنا بأن زيادة عدد الجنود الفرنسيين في قوة اليونيفيل تم تبنيها من الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك غداة الحرب على لبنات في 2006 بعد تفكير طويل خوفاً مما حدث في عهد الرئيس الأسبق فرانسوا ميتران عندما تعرضت قوات دراكار الفرنسية لهجوم إرهابي آنذاك في لبنان. لقد تم تبني القرار 1701 الذي أوقف الحرب الإسرائيلية على لبنان بفضل الرئيس شيراك مع قرار زيادة عدد القوات الفرنسية آنذاك.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عازماً على تمضية عشية الميلاد مع جنوده في لبنان لو كانت الأوضاع الأمنية تسمح له بمثل هذه الزيارة التي رأت الأوساط الأمنية المنظمة لزياراته أنها غير مناسبة في الأوضاع الحالية، لذا يتوجه يوم الخميس إلى القاعدة العسكرية الفرنسية الموجودة في الأردن في إطار التحالف الدولي لعملية Chammal لمكافحة "داعش" في العراق وسوريا.