بعيداً من منطق التحريض أو الاستخفاف، لم يعد موضوع الاعتداءات العنصرية المتكررة ضد السوريين والسياح العرب في تركيا، بالأمر الهامشي الذي يمر به المراقب من دون أن يتوقف عنده.
فالأمر يتكرر يومياً في العديد من المدن التركية، ووصل في حالة اللاجئين السوريين إلى مرحلة خطيرة للغاية من خلال القتل المتعمد، أو إلحاق الأذى الجسدي الخطير. أما بالنسبة إلى السياح العرب، وهنا أنا لا أتحدث عن السائح الكويتي في طرابزون الذي تحوم شكوك حول صحة روايته حيث زعم أنه تعرض لاعتداء من قبل مواطنين أتراك. بل أتحدث عن حوادث متنقلة في مدن عدة، ومن بينها أنقرة، والأهم إسطنبول، حيث شكا زائرون عرب من الخليج من تعديات تعرضوا لها في الشارع أو في محال تجارية.
ونحن هنا لا نريد أن نؤجج المشاعر، لكن مجرد أن يتحدث الرئيس رجب طيب أردوغان علناً في الإعلام عن مسألة الحوادث ذات الطابع العنصري معناه أن الأمر ليس تفصيلاً، ولا هو عابر. ثمة نسق ممنهج للاعتداءات. ويقيننا أنه يستهدف أردوغان نفسه بمقدار ما يستهدف الزوار العرب، أو اللاجئين السوريين. ففي وقت عمل الرئيس التركي قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز فيها بولاية ثالثة، ثم بعدها من أجل تصفير مشاكله العربية، وخصوصاً مع دول الخليج العربي، وقام بعد انتخابه بجولة قادته إلى الخليج ونجحت جهوده لاقتناص فرص تجارية واقتصادية كبيرة، أتت هذه الاعتداءات التي تكررت بشكل مر أو نقطة جذب لاستثمارات عربية. وللعلم فإن الاعتداءات وإن تكن قليلة نسبة إلى عدد السياح، أو إلى عدد السكان في تركيا، وبالتالي لا تمثل مناخاً تركياً شاملاً، انتشرت مشاهدها وصورها عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى حد أنها أثرت سلباً على نظرة المواطن العربي العادي نحو تركيا. ولم تنفع مواقف الحكومة، ولا جهود الشرطة، ولا حتى مواقف الرئيس أردوغان في الحد من سلبيات ما يحصل. وبالتالي ثمة مشكلة متفاقمة يجب أن يتصدّى لها المسؤولون الاأراك بصرامة كبيرة لأن الضرر سيقع بأسرع ما يتوقعون.
نحن نعرف أن ثمة أحزاباً معارضة ذات توجه عنصري تقف خلف بعض الاعتداءات. ونعرف أيضاً أن البعض الآخر من الاعتداءات تقوم به عصابات مافيوية إجرامية محلية لا أجندة سياسية لديها. ونعرف أيضاً وأيضاً أن الحكومة التركية تستشعر خطورة الموضوع بسب تراكم الحوادث. لكن هذا لا يكفي. لأن المطلوب من الحكومة التركية صرامة أكبر في التعامل مع ما يحصل.
إن التعامل مع اللاجئين السوريين في بعض المرات مرفوض. فإن كان لا بد من إعادتهم إلى بلادهم فلتتم إعادتهم إلى الشطر السوري الشمالي الواقع تحت سيطرة تركيا لا الاعتداء عليهم. أما بالنسبة إلى الزوار العرب، فمطلوب مزيد من الإجراءات الاستباقية في الوسط المافيوي، أو الحزبي المعارض العنصري. ومن مصلحة الدولة التركية أن تتعامل بسرعة وجدية كبيرتين مع المسألة قبل ألّا يعود الضرر قابلاً للإصلاح. أما الرئيس التركي فربما كان عليه أن يخرج عبر الإعلام العربي مخاطباً الرأي العام العربي. لكن ليس قبل أن يحقق إنجازاً أمنياً كبيراً في هذا المجال. وفي كل الأحوال، فإن من واجبات أردوغان أن يعالج القضية قبل أن تتحول إلى أزمة تطيح ما أنجزه خلال عامين من سياسة تصفير المشاكل مع العالم العربي، وضخ الحرارة في شرايين العلاقة!