إيلاف من لندن: أكد المرجع الشيعي الأعلى في العراق السيد علي السيستاني في رسالة الى البابا فرنسيس الاربعاء على أهمية تضافر الجهود لنبـذ العـنـف والكـراهيـة وتثـبيت احترام حرية الدين والفكر.
وفي رسالة وجهها الى الحبر الأعظم اليوم_ جواباً على رسالة كان قد تلقاها في آذار مارس الماضي_ أكد على أهمية تضافر الجهود لتثـبيت قيـم التآلـف بيـن الناس.
اتفاق اسلامي مسيحي على التعايش
وقال السيستاني في رسالته الى البابا التي كشف عن نصها مكتبه في النجف اليوم وتابعته "ايلاف" انه "قد سرّني كتابكم الكريم الذي بعثتم به إليّ بمناسبة الذكرى الثانية لزيارتـكم التاريخية للعـراق واللقـاء الـذي جمعني بكـم في النجـف الأشرف ذلك اللقاء المهمّ الذي أصبح حافزاً للكثيرين من أتباع الديانتين الإسلامية والمسيحية ـ بل ولغيرهم أيضاً ـ للتحلّي بقدرٍ أكبر من التسامح وحسن التعايش مع من يخالفهم في الدين والعقيدة" في اشارة الى لقائهما في النجف في السادس من آذار مارس 2021 والذي اعتبر أول لقاء قمة بين الشيعة والكاثوليك.
الترويج لثقافة نبـذ العـنـف والكراهية
وخاطب "السيستاني" البابا قائلا "لقد أشرتم في رسالتكم الكريمة الى بعض المواضيع التي أكّدنا عليها في ذلك اللقاء الرائع، ومنها أهمية تضافر الجهود في سبيل الترويج لثقافة التعايـش السـلمي ونبـذ العـنـف والكـراهيـة وتثـبيت قيـم التآلـف بيـن الناس، المبني على رعاية الحقوق والاحترام المتبادل بين معتنقي مختلف الأديان والاتجاهات الفكرية.
واضاف "إنني أشارككم الرأي في ضرورة بذل المزيد من الجهود للدفاع عن المضطهدين والمظلومين في مختلف أنحاء العالم.
وأشار الى أن المآسي التي تعاني منها الشعوب والفئات العرقية والاجتماعية في أماكن كثيرة في شرق الأرض وغربها والتي وقعت بنتيجةً الاضطهاد الفكري والديني، وقمع الحريات الأساسية وغياب العدالة الاجتماعية تلعب دوراً في بروز بعض الحركات المتطرفة التي لا تتورع عن الاعتداء على الآخرين المختلفين معها في الفكر أو العقيدة.
أضاف: من المهمّ أن يولي الجميع اهتماماً أكبر برفع هذه المظالم، ويجب أن يعملوا بما في وسعهم في سبيل تحقيق قدرٍ لائق من العدالة والطمأنينة في مختلف المجتمعات، فهذا سيساهم في الحدّ من مظاهر الكراهية والعنف بشكل عام".
مواجهة التحديات التي تتعرض لها الانسانية
وشدد "السيستاني" على الدور الأساس للإيمان بالله تعالى وبرسالاته والالتزام بالقيم الأخلاقية السامية في التغلّب على التحديات الكبيرة التي تواجهها الانسانية في هذا العصر، وحاجتها الماسّة الى التزوّد بالجوانب الروحية والمعنوية السليمة، والى الحفاظ على كيان الأسرة وقيمها.
وقال المرجع الشيعي في ختام رسالته الى البابا "أكرر دعائي وتضرّعي الى الله العلي القدير بأن يلهمنا جميعاً الصواب في القول والعمل، ويتفضّل على البشرية جمعاء من الخير والصلاح والسلام ما يليق برحمته الواسعة وعطائه الذي لا حدود له.. كما أعبّر عن تمنياتي لشخصكم الكريم بالصحة والسلامة والتعافي من العارض الذي ألمّ بكم مؤخراً".
تأكيد أهمية الحوار بين الاديان
وكان البابا قد وجه رسالة الى السيستاني في 17 آذار\ مارس الماضي لمناسبة الذكرى الثانية لزيارته الى العراق ولقائهما في النجف في 6 آذار\ مارس 2021 قال فيها "إنَّ التّعاون والصّداقة بين المؤمنين في مختلف الأديان هو أمرٌ لا غِنَى عنه، من أجل تنمية ليس فقط الاحترام المتبادل، ولكن قبل كلّ شيء الانسجام الذي يساهم في خير الإنسانيّة".
واضاف البابا في رسالته الى السيستاني قائلا: "أيّها الأخ العزيز، تحيّة طيّبة وبعد، يسرني أن أنتهز هذه الفرصة لأخاطبكم من جديد، بعد لقائنا قبل عامين في النجف، والذي "كان مفيدًا لي" كما قلت عند عودتي من العراق وكان علامة فارقة في مسيرة الحوار بين الأديان والتّفاهم بين الشّعوب. أتذكر شاكرًا الحديث الأخوي والمشاركة الرّوحية في مواضيع سامية مثل التّضامن والسّلام والدفاع عن الأشدَّ ضعفًا، وأيضًا التزامكم لصالح الذين تعرّضوا للاضطهاد، وحمايتكم لقدسيّة الحياة وأهميّة وَحدة الشّعب العراقي".
اتفاق على احترام حرية الدين والفكر
وتابع البابا فرنسيس يقول "كِلانا مقتنعٌ بأنّ احترام كرامة وحقوق كلّ فردٍ وكلّ جماعة، وخاصّة حرّيّة الدّين والفِكر والتَّعبير، هو مصدرُ الطّمأنينة للفرد والمجتمع، والانسجام بين الشّعوب لذلك، علينا نحن أيضًا، القادة الدّينيّين، أن نشجّع أصحاب المسؤوليّات في المجتمع المدني لكي يجتهدوا ويرسِّخوا ثقافة تقوم على العدل والسّلام ويعززوا الإجراءات السّياسيّة التي تحمي الحقوق الأساسيّة لكلّ فرد".
وختم البابا فرنسيس رسالته بالقول "أتمنّى أن نتمكّن معًا، مسيحيّين ومسلمين، من أن نكون دائمًا شهودًا للحقيقة والمحبّة والرّجاء في عالم مطبوع بالصّراعات العديدة، ويحتاج بالتّالي إلى الرّأفة والشّفاء.. أرفع صلاتي إلى الله العلِيِّ القدير، من أجل سماحتكم ومن أجل جماعتكم ومن أجل أرض العراق الحبيبة".
قمة شيعية كاثوليكية
وكان البابا قد زار السيستاني في النجف في 6 آذار مارس 2021
في أول لقاء بينهما والذي استمر لمدة 45 دقيقة وذلك ضمن زيارة هي الأولى من نوعها لبابا الفاتيكان إلى العراق.
وخلال اللقاء "دار الحديث حول التحديات الكبيرة التي تواجهها الإنسانية في هذا العصر ودور الإيمان بالله وبرسالاته والالتزام بالقيم الأخلاقية السامية في التغلب عليها" كما قال مكتب السيستاني في بيان عقب اللقاء.
وقد تحدث السيستاني "عما يعانيه الكثيرون في مختلف البلدان من الظلم والقهر والفقر والاضطهاد الديني والفكري وكبت الحريات الاساسية وغياب العدالة الاجتماعية، وخصوصًا ما تعاني منه شعوب المنطقة من حروب وأعمال عنف وحصار اقتصادي وعمليات تهجير وغيرها، ولا سيما الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة".
وأكد السيستاني على "الدور الذي ينبغي أن تقوم به الزعامات الدينية والروحية الكبيرة في الحد من هذه المآسي وما هو المؤمل منها من حثّ الأطراف المعنيّة، ولا سيما في القوى العظمى على تغليب جانب العقل والحكمة ونبذ لغة الحرب، وعدم التوسع في رعاية مصالحهم الذاتية على حساب حقوق الشعوب في العيش بحرية وكرامة".
ونوه السيستاني الى "أهمية تضافر الجهود لتثبيت قيم التآلف والتعايش السلمي والتضامن الانساني في كل المجتمعات، مبنياً على رعاية الحقوق والاحترام المتبادل بين أتباع مختلف الاديان والاتجاهات الفكرية".
ضرورة عيش مسيحيي العراق بأمن وسلام
كما أكد السيستاني على "أهمية أن يعيش المواطنون المسيحيون كسائر العراقيين في أمن وسلام وبكامل حقوقهم الدستورية" وأشار إلى "الدور الذي قامت به المرجعية الشيعية في حمايتهم وسائر الذين نالهم الظلم والأذى في حوادث السنين الماضية، ولا سيما في المدة التي استولى فيها الإرهابيون على مساحات شاسعة في عدة محافظات عراقية، ومارسوا فيها أعمالاً إجرامية يندى لها الجبين" في اشارة الى احتلال تنظيم داعش مناطق شاسعة من العراق منتصف عام 2014 وارتكابه جرائم ضد مختلف مكونات البلاد الدينية والعرقية.
البابا
ومن جهته أكد بابا الفاتيكان خلال اللقاء على "أهمية التعاون والصداقة بين الطوائف الدينية حتى نتمكن، من خلال تنمية الاحترام المتبادل والحوار، من المساهمة في خير العراق والمنطقة للبشرية جمعاء".
وقال الفاتيكان في بيان أن اللقاء "كان فرصة للبابا لتقديم الشكر إلى آية الله العظمى السيستاني لأنه رفع صوته مع الطائفة الشيعية في مواجهة العنف والصعوبات الكبيرة في السنوات الأخيرة، دفاعا عن الأضعف والأكثر اضطهادا، مؤكدين قدسية الحياة البشرية وأهمية وحدة الشعب العراقي".
يشار الى ان هذا التواصل الاسلامي المسيحي يأتي في وقت يتعرض فيه الاسلام الى هجمة متطرفة واسعة حيث تشهد عدة بلدان اوروبية مسيحية عمليات حرق للقرآن الكريم وسط تنديد عالمي واسع ودعوات للتصدي الى التطرف والاساءة الى المقدسات الدينية.