القاهرة: قررت جامعة الدول العربية الأحد استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعاتها بعد أكثر من 11 عاماً على تعليق أنشطة دمشق إثر الاحتجاجات التي تحولت إلى نزاع دام قسّم سوريا وأتى على اقتصادها وبنيتها التحتية.
وتنتهي بذلك عزلة دبلوماسية فرضتها دول عربية عدة منذ بداية النزاع في 2011 على دمشق، التي تطلع اليوم إلى أموال إعادة الإعمار، برغم أن الطريق لا يزال يبدو طويلاً أمام تسوية سياسية في بلد مقسم، تتوع القوى المسيطرة فيه.
وأعلن مجلس جامعة الدول العربية إثر اجتماع غير عادي على مستوى وزراء الخارجية "استئناف مشاركة وفود حكومة الجمهورية العربية السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها اعتباراً من 7 مايو/أيار 2023".
ويأتي قرار جامعة الدول العربية، الذي سبقته خلال الأسابيع الماضية مؤشرات انفتاح عربي على سوريا، قبل عشرة أيام من قمة عربية من المزمع عقدها في السعودية في 19 أيار/مايو وليس معروفاً ما اذا كان الرئيس السوري بشار الأسد سيشارك فيها.
قمة سرت
وكانت القمة العربية في سرت الليبية في العام 2010 آخر قمة حضرها الرئيس السوري.
وأكد مجلس جامعة الدول العربية في بيانه "الحرص على إطلاق دور عربي قيادي في جهود حل" الأزمة السورية وانعكاساتها وضمنها أزمات اللجوء و"الارهاب" وتهريب المخدرات الي يُعد أحد أكبر مصادر القلق بالنسبة الى دول خليجية باتت سوقاً رئيسية لحبوب الكبتاغون المصنعة بشكل رئيسي في سوريا.
مساعدات
وشدد البيان أيضاً على ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية "لكل محتاجينها في سوريا"، كما قرر الوزراء تشكيل لجنة وزارية تعمل على مواصلة "الحوار المباشر مع الحكومة السورية للتوصل لحل شامل للأزمة السورية يعالج جميع تبعاتها".
ورحب البيان بـ"استعداد" سوريا التعاون مع الدول العربية.
وإثر اندلاع النزاع في سوريا، قطعت دول عربية عدة علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، وأبعدتها عن جامعة الدول العربية في تشرين الثاني/نوفمبر 2011.
وقدمت دول عدّة، خصوصاً خلال سنوات النزاع الأولى، دعماً للمعارضة السياسية والمسلحة حتى أنه خلال قمة عربية في الدوحة في العام 2013، شارك، ولمرة واحدة فقط، وفد من الائتلاف السوري المعارض بوصفه "ممثلاً" للشعب السوري، في خطوة اعتبرت رمزية.
وخلال أكثر من 12 عاماً من نزاع لا يزال مستمراً، قتل أكثر من نصف مليون شخص وتشرّد أكثر من نصف سكان سوريا داخل البلاد وخارجها. وتحولت سوريا إلى ساحة تصفية حسابات بين قوى إقليمية ودولية. وترك كل ذلك أثره على الاقتصاد.
لكن الأسد بقي في قصره الرئاسي، واستعادت قواته تدريجياً غالبية المناطق التي خسرتها في بداية النزاع، بدعم من حليفيه الأساسيين روسيا وإيران.
ومع تغير المعادلات الميدانية، برزت منذ العام 2018، مؤشرات انفتاح عربي، وإن كان بطيئاً، تجاه سوريا بدأت مع إعادة فتح الإمارات سفارتها في دمشق.
لكن يبدو أنّ الزلزال المدمّر في سوريا وتركيا المجاورة في شباط/فبراير 2023، سرّع عملية استئناف دمشق علاقتها مع محيطها الإقليمي مع تلقي الأسد سيل اتصالات ومساعدات من قادة دول عربيّة، حتى إن السعودية أرسلت طائرات مساعدات كانت الأولى من نوعها منذ قطع علاقاتها مع دمشق.
وما هي سوى أسابيع قليلة حتى أعلنت الرياض في آذار/مارس أنّها تجري مباحثات مع دمشق حول استئناف الخدمات القنصلية.
وفي 18 نيسان/أبريل، التقى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بالرئيس السوري خلال أول زيارة رسمية سعودية إلى دمشق منذ القطيعة.
وخلال شهر نيسان/أبريل، أجرى وزير الخارجية السوري فيصل المقداد جولة على دول عربية عدة بينها مصر وتونس والأردن والجزائر والسعودية. وأعلنت تونس بدورها استئناف العلاقات مع دمشق.
واستضافت الأردن بداية الأسبوع اجتماعاً لوزراء خارجية سوريا والاردن والسعودية والعراق ومصر، وتم الاتفاق خلاله على "دعم سوريا ومؤسساتها في أية جهود مشروعة لبسط سيطرتها على أراضيها".
وفي بلد أتت الحرب على بناه التحتية ومصانعه وانتاجه، يُعد استقطاب أموال مرحلة إعادة الإعمار أولوية للحكومة السورية التي تفرض عليها دول غربية عقوبات اقتصادية شديدة، وتُدرك أن الحصول على أموال المجتمع الدولي صعب خارج تسوية سياسية.
وإن كانت جبهات القتال هدأت نسبياً في سوريا منذ 2019، لكن الحرب لم تنته فعلياً.
وقد لا تغيّر عودة سوريا إلى الحضن العربي الخارطة السياسية والميدانية على المدى القريب، إذ أن هناك أطراف أخرى يجب أخذها بالحسبان، من روسيا وإيران إلى الولايات المتحدة التي تنشر قوات في سوريا دعماً للمقاتلين الأكراد، إلى تركيا التي تسيطر على مناطق حدودية، والتي بدأت بدورها مباحثات مع سوريا حول استئناف العلاقات.
الخارطة السياسية
لكن عودة سوريا إلى حضنها العربي يتزامن أيضاً مع تغيّر في الخارطة السياسية الإقليمية بعد الاتفاق السعودي-الإيراني الذي تُعلّق عليه آمال بعودة الاستقرار في منطقة لطالما هزتها النزاعات بالوكالة.
وزار الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي يومي الأربعاء والخميس دمشق في أول زيارة لمسؤول ايراني بهذا المنصب إلى الدولة الحليفة التي تقدم لها طهران دعماً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً كبيراً منذ أكثر من 12 عاماً.
وكان الملف السوري يُعد أحد القضايا الشائكة التي زادت من التوترات بين الرياض وطهران.