مع تطور الأسلحة وتكنولوجيا الحروب أصبحت المنافسة الدولية اليوم هي التنافس على القوة الوطنية الشاملة، ولذلك تعدّ حرب المخدرات اليوم من أشرس حروب أسلحة الدمار المجتمعي الشامل، لكونها ذلك السلاح الباطن وتلك الحرب الصامتة والسم القاتل ببطء، حيث لا يحتاج العدو إلى إعلان الحرب على المجتمع أو الدولة أو الكيان المستهدف، ولا يحتاج إلى تعبئة الجيوش وشراء ترسانات الأسلحة، فقط كل ما عليه هو دفع مال أقل، وتسهيل دخولها عبر حدود البلدان المستهدفة، ويجلس بعيداً على كرسيه في بلده يراقب سقوط المجتمعات المستهدفة بشبابها وشاباتها وصغيرها وكبيرها، وحدثني عن البلدان إذا أصيبت في شبابها وعن مستقبلها إذا دمرت معنويات وطموحات أجياله.
فالمخدرات تحفز نمط الشخصية المعادية للمجتمع، وهو اضطراب عقلي لا يظهر فيه الشخص أي اعتبار للصواب أو الخطأ، ويتجاهل حقوق الآخرين ومشاعرهم ولا يظهرون أي إحساس بالذنب أو الندم على سلوكهم، وعليه تجاوز خطر المخدرات الأثر الصحي، وأصبحت ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالجرائم العابرة للحدود مثل الإرهاب الدولي وغسيل الأموال والجريمة المنظمة.
وانطلاقاً من استشعار الدولة والقيادة الحكيمة للمسؤولية الوطنية لحماية الشعب وشباب الوطن والمواطنين جميعاً من كل خطر يتربص بهم وبوطنهم أو يهدد عصب التنمية، فكانت الحرب على الفساد التي يقودها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين -حفظهما الله- بمختلف أنواعه، سواء أكان الفساد مالياً أو إدارياً أو وظيفياً.. إلخ، فالحرب على الفساد لم تستثنِ أي نوع من أنواع الفساد الأخرى. والفساد بلا خلاف هو اختلال عام في الأخلاق المجتمعية، ولا بناء للمجتمعات دون تنمية، ولا تنمية دون رؤية، ولا رؤية دون إصلاح، ولا إصلاح دون مكافحة الفساد والقضاء عليه، ولا قضاء على الفساد دون إرادة سياسية قوية جداً وقيادة حازمة عازمة والبدء فيه من أعلى الهرم وحتى الأدنى، ذلك أن ظاهرة الفساد لا تقتصر في تداعياتها على ما تفرزه من سلبيات على قطاع معين من المجتمع، وإنما تمتد آثارها لتشمل كافة أفراده، وهذا ما يبين قدرتها على التغلغل في كل قطاعات المجتمع، فالفساد إذن ظاهرة لها تأثير مباشر على اقتصاد الدولة باعتبارها تعرقل عجلة التنمية، إضافة إلى كونها تؤدي إلى اختلال التركيبة الاجتماعية للمجتمع، كما تؤدي إلى اعتياد الأفراد لسلوكيات مدمرة يلفظها كل مجتمع ينشد المحافظة على ما بني عليه من قيم ومبادئ ناهيك عن تأثيرها على الحياة السياسية، حيث تختل قواعد المكونات السياسية للدول من خلال بروز أنظمة وإجراءات غير قانونية معتمدة على سيطرة رأس المال ونشر الرشوة والواسطة ومخالفة الأنظمة.
وحينما أطلقت المملكة رؤيتها الطموحة 2030 جميعنا كُنّا ندرك أن تحقق تلك الرؤية سيتم بإذن الله فعلاً من منطلق ما عُرف وعُهد في سياسة مولاي ملك الحزم والعزم منذ أن كان أميراً للرياض وكان مضرب الأمثال ذلك الحاكم الحازم الذي لا تأخذه في الله لومة لائم والعدل عنده فوق الجميع وعلى كائن من كان وعلى نهجه أتى ولي عهده الأمين سمو الأمير محمد بن سلمان، وانعكست تجربة والده الإدارية الصارمة في قيادة الدولة التي نشأ عليها واضحة جلية في سياسته وهذا ما جعله يتخذ كل تلك التغييرات والقرارات المحورية وحربه المعلنة على الفساد التي بدأها من أعلى الهرم وعلى كائن من كان وبتشكيل اللجنة العليا برئاسته، ولهذا انطلقت الحملة الأمنية التي تتعقب المروجين بإشراف وتوجيه مباشر من ولي العهد -حفظه الله- تبعها تحرك سريع لملاحقة أصحابها، فوجّهت هذه الهجمة الأمنية ضربات استباقية نوعية.
وقد أبانت الكثير من قرارات سمو ولي العهد الوجه الحقيقي لكثير من متربصي الخفاء، وألغت مع الوقت تلك المنطقة الضبابية التي تحتمل الود مرة والعداء مرات، فظهرت الأوجه التي كانت تتقنع بقناع الأخوة أو القضايا القومية، وأصبحت مصالح الدولة السعودية ومواطنيها هي القضية المطروحة والأساسية في كل تفاوض أو عقد وعهد، وأصبح الإعلان عن مصادرة الشحنات المهربة أكثر صراحة في بيان مصدر دخولها، وليس مصادفة أن تقترن جريمة الإرهاب بجريمة الترويج الدولي للمخدرات والمؤثرات العقلية، فلقد ظهر جلياً ارتباط كثير من العصابات المسلحة بصناعة المخدرات والاتجار بها بل ومحاربة الخصوم بها، ولا شك أن خطرها على المدى البعيد أشد وأكبر من الحرب المسلحة المعلنة، ذلك لأنها تنخر في جسد المجتمع وتدمر إنسانه وأسرته ومستقبله، وبالتالي انهياره التام أمام هذه الآفة الفتاكة المدمرة.
وليس عبثاً أن تسن المملكة قديماً وتعيد التشديد حديثاً في سن القوانين التي تجرم وتحد منها وتحاسب المتاجر والمتعاطي بها، وانطلاقاً من روح رؤية المملكة العربية السعودية، مجتمع حيوي، وأهداف وركائز الرؤية التي يتطلب تحقيقها مجتمع متمسك بثقافته وقيمه، والمخدرات تعتبر أحد العوائق والتحديات التي تواجه صانع القرار، لذلك تتمحور أهداف هذه الحملة في:
الاستثمار في قوتنا الوطنية لتحقيق الميزة التنافسية (وهي هذه الطبقة الشابة التي تميز المجتمع السعودي).
تنفيذ إستراتيجية الصناعة والابتكار.
الاستثمار في شعب المملكة.
ويبقى أخيراً دور كل مواطن وواجبه الوطني هو العامل الحاسم في نتيجة أي حرب، كمؤشر مهم وحاسم في تعزيز الأمن الوطني والأمن القومي، وكما ذكرنا وللتأكيد فإن جوهر المنافسة الدولية اليوم هو التنافس على القوة الوطنية الشاملة والتي لا يمكن أن تتحقق رؤية عظيمة ولا تنمية مستدامة بدونها!