: آخر تحديث

مصالحة تخيلية لبايدن وبوتين

29
36
52
مواضيع ذات صلة

قبل أيام شاهدت الفيلم السينمائي الأمريكي «هبوط الملاك»، يحكي عن مؤامرة للتخلص من رئيس أمريكا، من خلال ادعاء بوجود محاولة روسية لاغتياله. وتبين أن نائب الرئيس نفسه شريك في مؤامرة الحرب على روسيا. وفي نهاية الفيلم، وبعد قضاء أعوان الرئيس على المتآمرين، تظهر صورة رئيس أمريكا (الممثل) وإلى جانبه بوتين في لقطة لصورته الطبيعية، وقد تصالحا.

 الفيلم بطولة نجم هوليود مورغان فريمان، وهو من نوعية الأفلام التي تنتجها هوليوود، والتي تمزج بين المتعة وبين الخوض في عمق السياسة الأمريكية.

 مثلما سبق أن أنتجت أفلام تتهم مؤسسات الدولة بالتورط في اغتيال الرئيس جون كنيدي، وأيضاً الفيلم الذي لعبت الدور الرئيسي فيه الممثلة جينا ديفيز، عن تجهيز سيارة نقل ملغمة بالمتفجرات، لتنفجر في قلب مدينة أمريكية، بعد أن وضع على عجلة القيادة رجل عربي قتلوه تواً، للإيحاء بأن العرب هم من قاموا بهذا العمل الإرهابي. وإن كانت بطلة الفيلم أحبطت الخطة وكشفتها.

 ثم جاء فيلم «هبوط الملاك»، كأنه يعكس حالة واقعية لتعدد وجهات النظر في الولايات المتحدة، تجاه حرب أوكرانيا، وإدارة الأزمة مع روسيا. وإن كان إنتاجه سابقاً لتلك الأزمة بسنوات.

 النماذج لهذه الحالة كثيرة، منها مثلاً وصف جون ميرشيمر أحد أبرز خبراء السياسة الخارجية، موقف بلاده بأن أمريكا هي التي بدأت باستفزاز بوتين. وفي الاتجاه نفسه، برزت مواقف لشخصيات رفيعة المستوى، مثل الرئيس الأسبق جيمي كارتر، ووزير الدفاع السابق، ويليام بيري، في إدارة الرئيس بيل كلينتون، واللذن جاء عرض لمواقفهما في كتاب عنوانه «خطر الاستراتيجيات الشائعة»، الاثنان قالا إن هناك خمسة أخطار رئيسية، يمكن أن تشكل تهديداً من الدرجة الأولى للولايات المتحدة، منها دفع روسيا تحت ضغوط قسرية نحو الهبوط في حالة من الفوضى، والعزلة، تستهدف قدراتها العسكرية، ثم يطالب الاثنان الولايات المتحدة بإعادة النظر في سياستها الخارجية، ومراعاة إمكان حدوث هذا الاحتمال المأساوي، الذي يمكن أن يقود إلى كارثة، كان ممكناً تجنبها بضبط النفس.

 من ناحيته، أكد ويليام بيري أن الدبلوماسية قد تكون أداة فعالة في مثل هذه المواقف، وأن التواصل الشخصي، والعلاقة المباشرة بين قادة الدول، هي التي تساعد على تفكيك أزمة بعد أن لم تكن بدأت.
 وتصاعدت مواقف بيري في الفترة من 1994 – 1997، وهو في منصب وزير الدفاع، بإعلان اعتراضه على توسع حلف الناتو، وسانده خمسون من أبرز الخبراء السياسيين، في خطاب مفتوح نشرته وسائل الإعلام الأمريكية. وانتهى الأمر بتقديم ويليام بيري استقالته من منصبه كوزير للدفاع احتجاجاً على سياسة توسع الناتو.

 ولم يتوقف البعض من المفكرين الأمريكيين عن التساؤل قائلين: إذا كان بوتين أصرّ طوال عشرين عاماً على رفض إخضاع روسيا، أو هزيمتها، أو التطاول على تاريخها، فما الذي يتوقع منه أن يفعله، بينما تتصاعد حملات عقابه، ومحاولة تقزيم روسيا كدولة وقوة تاريخية؟

 وحسب تعبير الخبيران السياسيان روبرت بيرسون، ومايكل ماكفول، فإن الولايات المتحدة ظلت طوال ثلاثين عاماً تستفز روسيا بسياسة خارجية نابعة من أحلام غير واقعية، عن سيادتها الأبدية على النظام الدولي، ولم تبد اهتماماً بإرادة روسيا التي يزداد إصرارها على ترسيخ وضعها دولياً، كقوة كبرى، مع احتمالات استخدامها للقوة لتأمين مصالحها.

 وأظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة «فوكس نيوز»، وكانت نتيجته موافقة 42% على الأسلوب المتبع تجاه روسيا، بينما النسبة الأكثر وهي 55% لا توافق على ذلك، وإن كان المؤيدون لا يخفون قلقهم من النتائج المستقبلية للتصعيد الجاري لحرب أوكرانيا.

 وفى يوم السبت الماضي، تأملت تصريحات منشورة للرئيس جو بايدن في تجمع انتخابي في نيويورك، استخدم فيها كلمات «حرب نهاية العالم»، إذا تطورت الأوضاع إلى استخدام بوتين للسلاح النووي، ثم قال نحن نحاول أن نفهم كيف سيجد بوتين مخرجاً من الوضع الحالي، وكيف سيتصرف بشكل لا يفقده ماء الوجه، ولا يخسر مكانته في روسيا.

 تلك الكلمات دفعتني للتساؤل: هل نحن أمام طرح نهج جديد لإدارة الأزمة مع روسيا، للخروج من مأزق حرب عالمية ليس فيها منتصر، حتى ولو كانت فيه نسبة من التشابه مع المصالحة بين الرئيسين الأمريكي والروسي، حسب الصورة التخيلية في واقعة «هبط الملاك». أم أن السور الذي يعلو بناؤه يوما بعد يوم، قد جعل الأماني نوعاً من المستحيلات؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد