عندما جلست الملكة إليزابيث الثانية على عرش المملكة المتحدة عام 1952 كان العلم البريطاني لا يزال يرفرف على الكثير من المستعمرات في مختلف أنحاء العالم، رغم أن الهند التي كانت تعرف "بدرة التاج" كانت قد حصلت على استقلالها.
وخلال عشرين عاماً من جلوسها على العرش استقلت العديد من المستعمرات وكان قادة الكثير من هذه الدول الجديدة من جيل الملكة إليزابيث، لذلك كانت على معرفة جيدة بهم وبمشاكل بلادهم وبات لزاماً عليها أن تصبح رمزاً غير منحاز يمثل قيم منظمة الكومنولث.
ووفقا للسير سوني رامفال سكرتير عام منظمة الكومنولث بين عامي 1975 و1990 فإن "الملكة أولت الكثير من اهتمامها للمنظمة". وبطبيعة الحال تطلب ذلك اهتماماً خاصاً بالمنظمة.
وقال عنها الرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسانجو عام 2002: "إن الملكة ظاهرة عظيمة للكومنولث". وأضاف: "إنها عنصر استقرار عظيم وسيدة رائعة".
لقاءات مهمة
زارت الملكة جميع دول الكومنولث على الأقل مرة واحدة وكانت قد قامت بجولة في أستراليا ونيوزيلندا في عام التتويج. كما أنها رسخت تقليد دعوة زعماء دول الكومنولث لإجراء محادثات قصيرة غير رسمية ثنائية معها في جميع مؤتمرات المنظمة.
وقال رامفال: "إنها التقت جميع رؤساء الحكومات لمدد تتراوح بين 20 و30 دقيقة في جلسات خاصة". وأضاف قائلا: "لقد كان اللقاء مع الملكة مهماً للغاية".
انقسام
وإذا حادثها الزعماء في مشاكل فإنها تعمل على المساعدة في إيجاد حلول لها. ويتذكر مسواتي الثالث ملك سوازيلاند العديد من المناسبات التي حدث فيها ذلك، إذ قال: "لقد ساعدت بالفعل في إحراز تقدم في تسوية مشكلات في مناسبات عديدة".
ولقد أظهرت الملكة مهارات في توحيد الصفوف قبل قمة الكومنولث في لوساكا عاصمة زامبيا عام 1979.
كانت حينئذ رئيسة الحكومة البريطانية مارغريت تاتشر في نزاع مع أغلب زعماء المنظمة لرفضها فرض عقوبات على جنوب أفريقيا خلال مرحلة الفصل العنصري. كما تسببت روديسيا في ذلك الوقت في إحداث انقسام بين زعماء المنظمة. فقبل ذلك بأيام قصفت قوات نظام إيان سميث في روديسيا (زيمبابوي حاليا) قوات المعارضة الوطنية التي تتخذ من لوساكا قاعدة لها، مما قدم ذريعة لبعض الزعماء خاصة روبرت مولدون رئيس وزراء نيوزيلاندا لحثها على عدم حضور القمة، ويقول سوني رالف إنها تصدت للضغوط.
وأضاف قائلا: "لقد أوضحت بجلاء لكل الرؤساء ورؤساء الحكومات إن الكومنولث لن تنقسم وستظل موحدة".
إنجازات
وتابع رالف: "لقد كان تأثيرها كبيراً على جميع الأطراف". لقد عملت الملكة بجد على تحقيق الإجماع في المنظمة في العديد من المواقف.
ورغم الدعم الكبير من إليزابيث إلا أن مكانة الكومنولث على المسرح الدولي لم تصل إلى بعض المؤسسات الدولية الأخرى مثل صندوق النقد والبنك الدوليين.
وظهرت إنجازات الكومنولث في مجالات وأنشطة مثل العلوم والتعليم كما أن المنظمة لعبت دوراً كبيراً في الحوار بين الشمال والجنوب.
في عام 2018 أعلن زعماء الكومنولث رسمياً عن اختيار ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز رئيساً جديداَ للمنظمة. ورغم أن هذا المنصب غير وراثي داخل الأسرة الملكية البريطانية، لكن الملكة أوضحت أنها كانت تتمنى أن يحل نجلها مكانها في زعامة المنظمة.
مستقبل الكومنولث
ولا يبدو مستقبل قيادة الكومنولث واضحاً، فمن يجلس على العرش البريطاني لا يصبح تلقائيا على رأس الكومنولث، كما يشكك البعض في مدى التزام الملك الجديد بالمنظمة. ولم يتضح ما إذا كانت وفاة الملكة ستعزز التيار الجمهوري في بعض البلدان التي تعتبر فيها الملكة رأس الدولة.
فعلى سيبل المثال فإن المناوئين للملكية في أستراليا يعتبرون موت الملكة حافزاً لإجراء استفتاء على تغيير الدستور.
وهناك مطالب مشابهة في جامايكا وعلى نطاق أقل في نيوزيلندا.
يذكر أن عضوية الكومنولث طوعية وهناك بعض البلدان وخاصة في آسيا والمحيط الهادي قد تنسحب منها وتبحث عن مصالحها في منظمات أخرى أكثر نفوذاً، خاصة بعد أن أدارت لندن ظهرها لحلفائها القدامى في القارة الأوروبية وانسحبت من الاتحاد الأوروبي.
ولم تطرح مثل هذه الشكوك مطلقاً مع وجود إليزابيث الثانية على رأس الكومنولث حيث اعتبرت دائماً "القوة الشافية ورمزاً للتسامح والقيادة والحب" على المسرح الدولي.