قبل أن يفاجئ زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الجميع، سواء كانوا من أنصاره أو من منافسيه داخل العراق، ببيانه المهم ظهر، الثلاثاء الفائت، والذي دعا فيه أنصاره إلى وقف العنف والانسحاب خارج إطار البرلمان العراقي، كان الجميع، داخل العراق وخارجه، يتساءلون: ما هي الخطوة التالية في الأزمة العراقية المتفجرة بكل ما تحمله من مخاطر، سواء كانت خطوة في طريق المزيد من التصعيد، أو كانت نافذة أمل نحو الانفراج؟ في تلك اللحظات الحرجة لم يكن أحد يملك أن يقول شيئاً في ظل الانسداد الشديد الذي يواجه طريق الحل، خاصة في ظل الاستقطاب الذي يزداد حدة حول كيفية الوصول الآمن إلى قرار «حل البرلمان وإجراء انتخابات عامة مبكرة» الذي يتفق الجميع عليه، بين مطلب الصدريين بأن يصدر القضاء قراراً بحل البرلمان، حرصاً منهم على منع انعقاد البرلمان لاتخاذ القرار بنفسه، وبين مطلب المنافسين في «الإطار التنسيقي» الذي يشترط لحل البرلمان وإجراء الانتخابات المبكرة أن ينعقد البرلمان ويتخذ هذا القرار بنفسه.
تنفس الجميع الصعداء بعد بيان مقتدى الصدر. وفور صدور هذا البيان بدأ الانسحاب الفوري للصدريين، ما دفع بالحكومة إلى إلغاء قرار حظر التجوال الذي كانت أصدرته في اليوم السابق، خصوصاً بعد أن لقيت إجراءات انسحاب الصدريين من محيط البرلمان استجابة لدى أنصار «الإطار التنسيقي» المحتشدين في مداخل وبوابات المنطقة الخضراء، حيث بادروا هم أيضاً بالانسحاب.
رغم ذلك يتجدد سؤال: ما هي الخطوة التالية؟ وإن كانت التوقعات تتعلق بأن تكون تلك الخطوة، أو الخطوات، في طريق الانفراج في ظل توقعات التهدئة على كل الأطراف على نحو ما جاء على لسان هادي العامري رئيس «تحالف الفتح» أحد المكونات الرئيسية في «الإطار التنسيقى»، وما جاء على لسان مصطفى الكاظمي رئيس الحكومة. فقد أثنى هادي العامري على مبادرة مقتدى الصدر، ووصفها بأنها «شجاعة وتستحق التقدير والثناء»، وأنها «جاءت في لحظة حرجة يراهن فيها الأعداء على توسيع الاقتتال بين الإخوة». أما مصطفى الكاظمي رئيس الحكومة، فقد خطا خطوة إلى الأمام في تعليقه على مبادرة مقتدى الصدر. فبعد أن اعتبر أن دعوة الصدر «تمثل أعلى مستويات الوطنية والحرص على حفظ الدم العراقي»، قال في تغريدة على «تويتر» إن «كلمة الصدر تحمّل الجميع مسؤولية أخلاقية ووطنية بحماية مقدرات العراق، والتوقف عن لغة التصعيد السياسي والأمني والشروع في الحوار السريع المثمر لحل الأزمات».
هل ستكسب خطة الكاظمي للحوار الوطني دعماً من الأطراف المتنازعة لتكون هي «الخطوة التالية المأمولة»؟
السؤال مهم في ظل العديد من الاعتبارات، يأتي في مقدمتها أن الجميع أضحى يدرك أن الفشل في الوصول إلى «حل توافقي» سيقود العراق إلى حرب أهلية، أو على الأقل، اقتتال دامٍ بين الصدريين وبين «الإطاريين».
ثاني هذه الاعتبارات إعلان «الاعتزال» الذي اتخذه مقتدى الصدر، يوم الاثنين الفائت، والذي كان بمثابة شرارة الاقتتال الذي تفجر بين المتظاهرين في الطرفين المتصارعين. الاعتزال هل هو قرار نهائي فعلاً، أم أنه كان خطوة تكتيكية أراد بها الصدر إطلاق ثورته الشعبية الإصلاحية و«حرق كل مراحل التصعيد»؟
ثالث هذه الاعتبارات، هو آلية الحوار في تجاوز الأزمة، هل سيفرض الصدر ما يريده بحل البرلمان عن طريق المحكمة الاتحادية التي أجلت قرارها ليوم الثلاثاء، بعد أن منحها الصدر يوم السبت (27/8/2022) 72 ساعة لإصدار القرار، وربما كان قرار التأجيل هو ما دفعه إلى إصدار قرار الاعتزال، ومن ثم قيام أنصاره بتظاهراتهم الغاضبة واقتحامهم القصر الجمهوري؟
المحكمة لم تجتمع الثلاثاء (30/8/2022) على نحو ما سبق أن أعلنت بحجة الحظر الذي فرض على جميع العراقيين يوم الاثنين، فهل يمكن أن تجتمع وتصدر القرار الذي يريده الصدريون بحل البرلمان، أم ستلتزم بقرار سابق لمجلس القضاء الأعلى قال فيه «لا نملك صلاحية حل مجلس النواب»؟
الخيار الثاني المطروح هو خيار «الإطار التنسيقي» كما ورد على لسان أبرز زعمائه، نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق رئيس ائتلاف «دولة القانون»، الذي قال فيه أنه «لا حل للبرلمان العراقي، ولا تغيير للنظام السياسي في البلاد، ولا انتخابات إلا بعودة البرلمان إلى الانعقاد». هذا الخيار الذي يصف نفسه ب«الحفاظ على المؤسسات السياسية والدستورية» يضع العراق في طريق مسدود.
رابع الاعتبارات يتعلق بحدود التغييرات المطلوبة، أو «الثورة الإصلاحية» التي يطالب بها الصدريون لبناء عراق جديد، هل ستكون أحد بنود الحوار الوطني، أم سيتم إرجاؤها إلى ما بعد حل البرلمان إن تم هذا الإجراء؟
اعتبارات مهمة تزيد الأمل تعقيداً في أن يتجاوز العراق أزمته الراهنة المتفجرة.