يزعم أصدقاء أوكرانيا في الغرب أنهم يحمون الدولة بمناصرة حقها في الانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لكن كما أشار الكاتب الأمريكي د. جيفري دي. ساكس في مقال نشره موقع صحيفة «الاقتصادية» العكس هو الصحيح. ذلك أنهم في مناصرتهم لحق نظري يعرضون أمن أوكرانيا للخطر بإثارة احتمالية وقوع غزو روسي، فيما يمكن الدفاع عن استقلال أوكرانيا بصورة أكثر فاعلية من خلال التوصل إلى اتفاق مع روسيا يضمن سيادة أوكرانيا كبلدٍ غير عضوٍ في الناتو، على نحو يماثل وضع النمسا وفنلندا والسويد «كلها دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي دون الناتو». بشكل محدد، فهو يرى أن روسيا قد توافق على سحب قواتها من شرق أوكرانيا وفض قواتها المرابطة قرب الحدود الأوكرانية وان تحترم أوكرانيا المصالح الأمنية لروسيا. وإن اتفاقًا كهذا وارد وممكن لأنه يصب في مصلحة الجانبين. لاشك أن المناصرين لمنح أوكرانيا عضوية الناتو يرون مثل هذا الاتفاق ساذجًا، وحجتهم في ذلك أن روسيا اجتاحت أوكرانيا وضمت شبه جزيرة القرم في 2014، وأن الأزمة الحالية. نشأت بسبب ما قامت به روسيا من حشد أكثر من 140 جنديًا على الحدود الأوكرانية في تهديد بغزو جديد. وبهذا خرق الكرملين بنود مذكرة بودابست للضمانات الأمنية الموقعة 1994، التي تعهدت فيها روسيا باحترام استقلال وسيادة أوكرانيا، مقابل ذلك تخلي أوكرانيا عن المخزون الهائل من الأسلحة النووية الذي ورثته عقب انهيار الاتحاد السوفياتي.
رغم ذلك، لا يستبعد أن تقبل روسيا بدولة أوكرانيا محايدة وتحترمها. فلم يطرح قط عرض تكتسب في اوكرانيا هذا الوضع. وقد اقترحت الولايات المتحدة 2008 دعوة أوكرانيا وجورجيا للانضمام إلى الناتو، وأضحى لذلك الاقتراح صدى كبيرًا في المنطقة منذ ذلك الحين. غير أن حكومة فرنسا وألمانيا ودول اوروربية أخرى كثيرة منعت الحلف من تقديم دعوة فورية لأوكرانيا، بعدما رأت في التحرك الأمريكي استفزازًا لروسيا، لكن قادة الناتو أعلنوا صراحة في بيان مشترك مع أوكرانيا أنها «ستصبح عضوا في الناتو». يرى الكرملين من منظوره أن وجود الناتو في أوكرانيا من شأنه أن يشكل تهديدًا مباشرًا لأمن روسيا. وقد كان إنشاء منطقة جغرافية عازلة بين روسيا والقوى الغربية يمثل جزءًا من مقاصد فن إدارة الدولة السوفيتية. ومنذ إنهيار الاتحاد السوفيتي، تعارض روسيا بشدة توسع الناتو داخل الكتلة السوفيتية السابقة. واليوم يجب أن تكون سيادة أوكرانيا وإرساء السلام في أوروبا والعالم أكبر الهموم، وليس وجود الناتو في أوكرانيا، أو بناء جدار جديد. بالطبع ستكون أوكرانيا أكثر أمانًا إذا أوقف الناتو توسعه شرقًا في مقابل انسحاب روسيا من شرق اوكرانيا وفض تعبئة قواتها المرابطة بمحاذاة الحدود الأوكرانية. هناك حاجة ملحة إلى نشاط دبلوماسي بطول تلك الحدود مدعوما بمشاركة الأتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
في المقابل، تذهب بعض التحليلات إلى أن النظام العالمي ومستقبله ومواقع القوى الدولية فيه هو محور الصراع الروسي - الأمريكي، وأن أوكرانيا هي الساحة الرئيسية الراهنة لهذا الصراع. ولا يعني هذا أن أوكرانيا ليست لها أية أهمية فيه، أقله من جانب روسيا. فلأوكرانيا، كما لبيلاروسيا، مكانة خاصة جدا لدى الروس ثقافيا وعرقيا، ولغويا، وكذلك من الناحية الامنية. ولهذا، كما يرى مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية د. وحيد عبدالمجيد، فرغم أن الصراع اليوم أكبر من أوكرانيا،وأبعد ،فهي تبقى في قلبه، وتعد أكثر من يكتوي بنيرانه إذا اشتعلت الحرب، الأمر الذي يجعل حكومتها الحالية في موقف بالغ الصعوبة، ويضعها أمام خيارين لا ثالث لهما، لأنها بحكم خلفيتها واتجاهاتها لا تقبل استعادة النفوذ الروسي. فإما أن تحافظ على سيادتها الحالية، التي تنطوي على مغامرة - مقامرة كبرى تراهن فيها على عدم اندلاع الحرب، ورجوع الطرفين الأمريكي والروسي عن حافة الهاوية كلما بلغاها، وانتظار أن تهدا الأزمة بشكل ما، أو أن تبادر بنزع فتيلها عبر تغيير كبير في سياستها باتجاه التحول من طرف فيها إلى ما يشبه الوسيط دون أن تكون وسيطًا بالمعنى الدقيق، بحيث تختار دور الحاجز بين الطرفين، وتتبنى بالتالي موقفًا في الوسط ينطوي على نوع من الحياد الفعلي، بدءًا بتنفيذ التزاماتها في اتفاق مينسك بشأن الحكم الذاتي في منطقتي دونيتسك ولوغانسك من خلال تغيير أو تعديل دستوري باتجاه نظام أقل مركزية، وأكثر انفتاحًا تجاه مناوئيها في إقليم دونباس. ويمكن أن يتبع ذلك سحب طلب الانضمام إلى» الناتو»، بعد أن تهدأ الأزمة الراهنة، وتتحسن العلاقات الروسية - الأوكرانية، بحيث يأتي إعلان عدم رغبتها في الالتحاق بهذا الحلف في سياق طبيعي أقله من حيث الشكل، لكي لا يبدو إذعانًا لموقف موسكو. خياران في لحظة بالغة الدقة على صعيد النظام العالمي، الذي تشاء المقادير أن تكون أوكرانيا في قلب الصراع على مستقبله، والساحة الرئيسية التي تدور بشأنها إحدى أهم المعارك المتعلقة به، بل أهمها في اللحظة الراهنة، خاصة بعد اعتراف روسيا بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين.