أحدث خبر تأجيل موعد الانتخابات في ليبيا تشاؤماً لدى لبنانيين كثيرين بشأن حظوظ الانتخابات في بلادهم. وكان مجلس النواب اللبناني قد حدد السابع والعشرين من مارس موعداً لإجراء انتخابات مجلس النواب.
لكنّ رئيس الجمهورية اعترض على الموعد، وعلى طريقة احتساب أصوات المهاجرين، فجرى الاحتكام للمجلس الدستوري الذي لم يحسم الأمر. معظم السياسيين اللبنانيين والصحفيين ذهبوا إلى أنّ الرئيس لا يريد الانتخابات. وقال آخرون إنّ الثنائي الشيعي لا يريد الانتخابات أيضاً.
فمن الذي يريدها؟ الجهات المسيحية المعارضة لرئيس الجمهورية والتي تأمل الإفادة من تضاؤل شعبيته. إنما هل ستتغير التوازنات في مجلس النواب؟ إن تحالف عون و«حزب الله» في انتخابات عام 2018 جمع أكثرية بمعدل 74 من 128 نائباً، فإذا خسر حزب عون بزعامة صهره جبران باسيل، فستقل مجموعات التحالف عن 65 نائباً. لكن في المقابل فإنّ الثنائي الشيعي سيحتفظ بحجمه تقريباً، كما أنّ المعارضين لعون وباسيل و«حزب الله» لن يكونوا موحَّدين. وأخيراً: فهل يجرؤ الحزب وعون على خوض الانتخابات بعد أربعة أشهر أم يجد هؤلاء معاذير للتأجيل؟
مشكلة الانتخابات أو تجاوز التأزم عن طريقها هي إذن مشكلة رئيسية في كل بلدان الاضطراب في العالم العربي.
أما المشكلة الثانية التي «يشارك» فيها لبنان العربَ الثوريين فهي وجود التنظيمات المسلَّحة غير الشرعية على الأرض، خارج سلطة الدولة المركزية، وفي قوة الجيش وقوى الأمن الرسمية وأحياناً أقوى.
ويأبى اللبنانيون رغم الاشتراك إلا أن يتميزوا: فعندهم تنظيم مسلح واحد، في حين تتعدد التنظيمات في سوريا والعراق وليبيا! إنما في تلك البلدان فإنّ السلطات إذا صحَّ التعبير «موزَّعة»، أما في لبنان فإنّ التنظيم المسلَّح يتحكم وحده بكل شيء، وإذا فعل رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب شيئاً فإنما يكون بإذنه. وإذا انزعج من شيء فإنه إما أن يلغي الفاعلين أو يعطّل العمل الحكومي مثلما حصل عندما أراد أن يتنحى القاضي بيطار المكلف بالتحقيق في تفجير المرفأ، وعندما لم يحصل ذلك منع المسلحون مجلس الوزراء من الانعقاد منذ شهرين وأكثر! والمهم في النهاية أنّ التنظيمات المسلحة المدعومة من الخارج هي التي تسود في تلك البلدان، وتمنع قيام الدولة بمهامها وتتولّى هي سائر السلطات على أرضها!
ولنذكر أمراً ثالثاً مشتركاً بين بلدان الثورات والتنظيمات المسلحة وهو السوء الشديد في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وهذا الأمر المستمر في بلدان الاضطراب منذ عقدٍ وأكثر، هو جديدٌ على لبنان وصار بسبب مفاجأته شديد الوقع، ووصلت قضايا الفقر وحدوده إلى نسبة 85%، وصارت معظم متطلبات الحياة نادرة، وإن وُجدت فهي شديدة الغلاء ولا يستطيع شراءها معظم اللبنانيين في الدواء والغذاء والمحروقات. ويمكننا المضيُّ طويلاً في ذكر المشتركات، والتي ما كان من الضروري أن يكون بينها لبنان. لكنه صار بينها لأن طبقته السياسية خضعت للتنظيم المسلَّح، وانصرفت بدورها لتصرفات الفساد وسوء التصرف في الإدارة على كل المستويات. وإلاّ فكيف نفهم أن لبنان الذي عرف المصارف والمدارس والجامعات الحديثة قبل مائةٍ وخمسين سنة وأكثر، توشك هذه المرافق فيه على الإقفال وهي الآن في حالة خفوتٍ شديد؟!
لا تستطيع التنظيمات المسلحة أن تكون بديلاً عن الدولة. ثم إن النموذج العالمي واحد لاستقامة الدولة وعملها السياسي. وفي بلدان الاضطراب (التي صار بينها لبنان) اختلت أولاً السلطة المركزية ثم سائر المرافق والسلطات. فلا بد من عملٍ داخلي وأعمال عربية لاستعادة الدولة في تلك البلدان أو تواجه الشعوب صعوبات مزيدة هائلة، وهل هناك أصعب مما يواجهه اليمن؟!