موسكو: قاد الصحافي الروسي دميتري موراتوف الحائز جائزة نوبل للسلام عام 2021 إلى جانب الصحافية الفليبينية ماريا ريسا، صحيفة "نوفايا غازيتا" الاستقصائية الشهيرة، عبر عواصف كثيرة كلفتها عدة صحافيين.
وبعد شهرين على اعلان فوزه، يتسلم موراتوف البالغ ستين عاما الجائزة الجمعة خلال مراسم في أوسلو.
أهدى موراتوف جائزته إلى صحيفة نوفايا غازيتا التي يرئس تحريرها وإلى العاملين فيها "الذين سقطوا وهم يدافعون عن حق الناس في حرية التعبير" على غرار الصحافية آنا بوليتكوفسكايا التي اغتيلت في العام 2006.
صحافة صامدة وعنيدة
وأتى اختيار مكافأة ممثل صحافة صامدة وعنيدة في وقت تتعرض فيه وسائل الاعلام المستقلة والمعارضة والمجتمع المدني لقمع شديد في روسيا حيث غالبا ما تصنف على أنها "عميلة أجنبية" أو تحظر بتهمة "التطرف".
قال موراتوف الجمعة في أوسلو إن تصنيف الصحيفة "عميلا أجنبيا" في حال حصل سيكون "سخيفا (..) أظن انه خلال السنوات الثلاثين منذ تأسيس الصحيفة قمنا بكثير من الأشياء الإيجابية للبلاد وتصنيفنا عميلا أجنبيا سيضر بهيبة البلاد".
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حذر موراتوف من أن نيل الجائزة "لا يشكل درعا" تقي من تصنيفه "عميلا أجنبيا" وهو تصنيف يعرقل عمل الأفراد والمنظمات المستهدفة التي توضع تحت المراقبة.
بوجهه المستدير الذي تكسوه لحية غزاها الشيب، قد يبدو الصحافي الروسي رجلا هادئ الطباع إلا ان مظهره الخارجي هذا يخفي شخصية من حديد.
لسنا عملاء أجانب
فهو أكد خلال مقابلة مع وكالة فرانس برس في آذار/مارس الماضي بلهجة حادة "لن نرحل نحن لسنا عملاء أجانب .. سنبقى نعمل ونعيش في روسيا" في حين يغادر معارضون وصحافيون البلاد منذ أعتقال أليكسي نافالني المعارض الرئيسي للكرملين في كانون الثاني/يناير الماضي.
وموراتوف معروف بتواضعه إذ أعلن أن نافالني يستحق جائزة نوبل للسلام التي منحت إليه.
تكافئ هذه الجائزة التزاما كرس له موراتوف حياته. وهو سبق له أن فاز بجوائز عدة على نضاله دعما لحرية التعبير.
ولد الصحافي عام 1961 في مدينة كويبيتشيف التي غير اسمها إلى سمارا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
وهو اكتشف شغفه بالصحافة باكرا مع عمله كصحافي مستقل مع عدة منشورات محلية خلال دراسة فقه اللغة الروسية في جامعة كويبيتشيف.
وبعدما شحذ خبرته في صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" الشعبية، شارك في عام 1993 في تأسيس "نوفايا غازيتا" بدعم مالي من آخر زعماء الاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشيف الذي نال جائزة نوبل للسلام عام 1990.
وتحت إشراف موراتوف الذي يديرها بشكل شبه متواصل منذ 1995، سجلت الصحيفة السبق الصحافي تلو الآخر.
الحرب في الشيشان
وتتناول الصحيفة كل المواضيع الحساسة من فساد وقضايا تطال أوساط الحكم، حتى تلك التي باتت مع وصول بوتين إلى السلطة في 2000، محرمة على وسائل الاعلام الأخرى مثل الحرب في الشيشان.
وتستمر الصحيفة التي باتت تصدر ثلاثة أيام في الأسبوع، في نشر مقالات استقصائية طويلة تعتمد لهجة لاذعة حول مرتزقة مجموعة فاغنر او قمع المثليين جنسيا في الشيشان.
وقد دفعت الصحيفة ثمن التزامها هذا باهظا فقد اغتيل ستة من صحافييها أو المساهمين فيها منذ تأسيسها في عام 1993.
وكان أبرز هؤلاء آنا بوليتوفسكايا التي كانت معروفة بانتقادها لحرب الكرملين الدامية في الشيشان وقد اغتيلت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2006 في مدخل المبنى الذي تقطنه. ولم تعرف حتى الان هوية الأطراف التي تقف وراء عملية الاغتيال هذه.
وقد هزت هذه الجريمة موراتوف الذي فكر في إغلاق الصحيفة "بسبب الخطر على حياة الناس" على ما قال لوكالة فرانس برس.
لكن أمام تصميم محرري الصحيفة، قرر الاستمرار.
وشهد عام 2009 اغتيال ثلاثة من المساهمين في الصحفة بينهم ناتاليا إيستيميروفا المقربة من بوليتموفسكايا التي كانت تمثل منظمة "ميموريال "المدافعة عن حقوق الإنسان في الشيشان.
تحظى الصحيفة باحترام إلا انها تبقى هامشية في روسيا وتقرأها خصوصا النخبة الليبرالية المثقفة. في مطلع كانون الأول/ديسمبر كانت تصدر حوالى 99 ألف نسخة في اليوم في حين أن موقعها الالكتروني سجل 18,4 مليون زيارة في تشرين الثاني/نوفمبر.