رانغون: تجسد أونغ سان سو تشي التي حكم عليها الإثنين بالسجن أربع سنوات خفضت إلى سنتين، مصير بورما المضطرب فهي كانت رمزا للديموقراطية قبل أن تصبح منبوذة من الأسرة الدولية بسبب مأساة مسلمي الروهينغا في بلادها لتقع مجددا اليوم في قبضة العسكريين.
أمضت الزعيمة السابق، التي أطاح بها انقلاب في شباط/فبراير، ما يقرب من 15 عاماً رهن الإقامة الجبرية في ظل أنظمة دكتاتورية عسكرية سابقة. كانت تخاطب، خلال احتجازها في منزلها الواقع بجوار بحيرة في يانغون، المئات من المؤيدين المتجمعين على الجانب الآخر من سياج حديقتها.
الآن، اختلف وضعها جذريا، وتقتصر اتصالاتها مع العالم الخارجي على اجتماعات مقتضبة مع محاميها في مكان بقي طي الكتمان في العاصمة نايبيداو. وفر العديد من أقاربها أو تم القاء القبض عليهم.
ويبدو أن الجنرالات مصممون على إسكات صوتها بشكل قاطع. وهي متهمة بارتكاب العديد من الجرائم (الفتنة والفساد والتزوير الانتخابي ...) وتواجه عقوبة السجن لعقود.
وكانت أونع سان سو تشي قالت في مقابلة مع وكالة فرانس برس العام 2015 "انا لا أؤمن بالأمل أؤمن فقط بالعمل الدؤوب (...) فالأمل وحده لا يفضي إلى أي مكان".
قمة السلطة التنفيذية
بعد أشهر على ذلك، فاز حزبها الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية في انتخابات تاريخية حملت أونغ سان سو تشي بعد ثلاثين عاما في صفوف المعارضة، إلى قمة السلطة التنفيذية.
وكان يفترض أن تحافظ على هذا الموقع بعدما سجل حزبها مجددا فوزا ساحقا في الانتخابات التشريعية في تشرين الثاني/نوفمبر. لكن الجيش قرر بعكس ذلك وأعلن حالة الطوارئ ووضع جنرالاته في السلطة.
لم يكن دخول سو تشي المعترك السياسي مبرمجا. فبعد اغتيال والدها في 1947 عندما كانت في الثانية من العمر، أمضت الفترة الأولى من حياتها في المنفى، في الهند أولا ثم في بريطانيا.
وفي البداية، عاشت حياة ربة منزل نموذجية، بزواجها من استاذ جامعي متخصص في شؤون التيبت في جامعة أكسفورد، ووالدة لطفلين صغيرين.
ولدى توجهها الى بورما في نيسان/ابريل 1988 للاهتمام بوالدتها المريضة، وصلت في خضم الانتفاضة على المجلس العسكري وقررت الانخراط في رسم مصير بلادها.
وقالت في أول خطاب ألقته في معبد شويداغون في 1988 وشكل لحظة ولادة اسطورة سو تشي، "لا استطيع، بصفتي ابنة أبي، أن أبقى غير مبالية حيال كل ما يجري".
وقد سُمح لها بأن تؤسس الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية، لكنها سرعان ما وُضعت رهن الاقامة الجبرية. وشهدت من بعيد فوز حزبها في انتخابات 1990 التي رفض المجلس العسكري الاعتراف بنتائجها.
في العام 1991، حازت جائزة نوبل للسلام لكنها لم تستطع الذهاب إلى أوسلو لتتسلمها، وهي انتظرت أكثر من 20 عاما لتفعل ذلك.
وقد توفي زوجها الذي بقي في بريطانيا بمرض السرطان، من دون ان تتمكن من الذهاب لوداعه، خشية الا يُسمح لها بالعودة الى بورما.
وفي 2010، أُفرج عنها بعد 15 عاما في الاقامة الجبرية، ودخلت البرلمان بعد عامين مع حل المجلس العسكري نفسه. وسمح لها فوز حزبها في الانتخابات عام 2015 باستلام السلطة.
إلا أن ممارستها السياسة أدى الى تلطيخ سمعتها باعتبارها رمزا للنضال من أجل حقوق الانسان، خصوصا في الخارج.
واخذ البعض عليها وقوعها في فخ "الهالة الآسرة لشبه الاميرة في البلاد"، كما قال الخبير السياسي نيكولاس فاريلي.
واجهت أونغ سان سو تشي اختبار السلطة، وأجبرت على التعامل مع الجيش القوي الموجود على رأس ثلاث وزارات رئيسية (الداخلية والدفاع والحدود).
كما تلطخت صورة أونغ التي قورنت في الماضي بنيلسون مانديلا ومارتن لوثر كينغ، بشكل دائم بسبب مأساة مسلمي الروهينغا.
فقد فر نحو 750 ألف من أبناء هذه الأقلية هربا من انتهاكات الجيش والميليشيات البوذية في العام 2017 ولجأوا إلى مخيمات موقتة في بنغلادش، وهي مأساة أدت إلى اتهام بورما بارتكاب "إبادة جماعية" في محكمة العدل الدولية، الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة.
حضرت أونغ سان سو تشي التي تنفي "أي نية للإبادة الجماعية"، شخصيا للدفاع عن بلادها في المحكمة. لكن فوز حزبها في الانتخابات التشريعية عام 2020 أثار حفيظة الجيش الذي أطاح بها.
ولم تعد "الأم سو" تحظى سوى بتأثير ضعيف في بورما. حتى أن العديد من البورميين قد تخلوا عن أحد مبادئها الأساسية، وهو اللاعنف، وشنوا حرب عصابات ضد المجموعة العسكرية.
وترى صوفي بواسو دو روشيه من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية "أن حكم سو تشي تضمن بالطبع إخفاقات وتوترات" مضيفة "لكنه وفر متنفساً منح الناس اليوم القوة للمقاومة".