باريس: حضّت فرنسا إيران على استكمال مباحثات فيينا بشأن إحياء الاتفاق النووي من حيث توقّفت قبل أشهر، مع استعداد طهران والقوى الكبرى لاستئنافها أواخر الشهر الحالي، في ظلّ قلق غربي من تسارع أنشطة الجمهورية الإسلامية.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان "اعتقادي أنّ الأميركيين مستعدون للعودة إلى المفاوضات من حيث توقّفت في حزيران/يونيو، بطريقة (تتيح) إنجازها بسرعة"، وذلك في حوار نشرته صحيفة "لوموند" الجمعة.
أضاف "سندرك اعتبارًا من 29 (تشرين الثاني/نوفمبر) والأيام التي تليه، ما إذا كانت هذه هي الإرادة الإيرانية".
أبرمت إيران وستّ قوى دولية (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين، وألمانيا) في 2015، اتفاقًا بشأن برنامجها النووي أتاح رفع الكثير من العقوبات التي كانت مفروضة عليها، في مقابل الحد من أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها.
لكن الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق العام 2018 في عهد رئيسها السابق دونالد ترامب الذي أعاد فرض عقوبات اقتصادية على طهران. وبعد عام، بدأت إيران بالتراجع تدريجًا عن التزاماتها الأساسية بموجب الاتفاق.
وأبدى جو بايدن الذي خلف ترامب كرئيس للولايات المتحدة في مطلع 2021، استعداده لإعادة بلاده إلى الاتفاق، بشرط عودة إيران لالتزاماتها.
مباحثات فيينا
وخاضت الأطراف المعنية، وبمشاركة غير مباشرة من واشنطن، مباحثات في فيينا هذا العام لإحياء الاتفاق. وأُجريت ست جولات بين نيسان/أبريل وحزيران/يونيو، وعُلّقت بعيد الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي انتهت بفوز المحافظ المتشدّد إبراهيم رئيسي خلفًا للمعتدل حسن روحاني.
وبعدما أكّد مسؤولون إيرانيون أنّ العودة إلى طاولة المفاوضات هي رهن إنجاز الحكومة الجديدة مراجعة ملف الجولات السابقة، أعلنت الأطراف المعنية أنّ المباحثات ستستكمل اعتبارًا من 29 تشرين الثاني/نوفمبر.
وشدّد لودريان على أنّ "التحقّق الأول الذي علينا القيام به، هو تبيان ما إذا كان النقاش سيستكمل من حيث علّق في حزيران/يونيو مع الحكومة الإيرانية السابقة".
وسبق للمشاركين في المباحثات أن أكّدوا تحقيق تقدّم لجهة رفع عقوبات أميركية وعودة واشنطن إلى الاتفاق، في مقابل عودة إيران إلى الإمتثال لبنوده، من دون أن يصل ذلك إلى مرحلة تفاهم نهائي.
وتشدّد طهران على أنّ الأولوية بالنسبة إليها هي رفع العقوبات التي فرضت بعد الانسحاب الأميركي، وضمان ألّا تنسحب واشنطن مجددًا من الاتفاق.
وكتب علي باقري، نائب وزير الخارجية الإيراني وكبير مفاوضي طهران، عبر تويتر الخميس "نجاح المفاوضات التي ستبدأ في 29 تشرين الثاني/نوفمبر يعتمد على الإرادة الجادة والاستعداد العملي للطرف الآخر لرفع الحظر".
وكان المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده أكّد الإثنين أنه "بالنسبة إلينا المهم هو أن نتأكد من رفع العقوبات بعد التحققات والضمانات المطلوبة"، موضحا "بطبيعة الحال، كانت ثمة نقاط اختلاف في الجولات الست من المباحثات في فيينا، ولهذا السبب لم نتوصّل إلى اتفاق".
تسارع البرنامج النووي الإيراني
أعربت دول غربية في الآونة الأخيرة عن قلقها من تسارع البرنامج النووي الإيراني منذ العام 2019. وفي حين تتّهم هذه الدول إيران بـ"انتهاك" الاتفاق، تؤكّد طهران أن ما تقوم به هو "خطوات تعويضية" ردًّا على الانسحاب الأميركي.
واتخذت الجمهورية الإسلامية سلسلة خطوات في المجال النووي، من أبرزها رفع مستوى تخصيب اليورانيوم (بداية إلى 20 بالمئة ولاحقًا إلى 60)، في حين أنّ الاتفاق النووي حدّد سقف التخصيب عند نسبة 3,67 بالمئة.
وأفاد تقرير الأربعاء للوكالة الدولية للطاقة الذرية التي يزور مديرها العام رافايل غروسي طهران الإثنين، أنّ إيران تواصل زيادة مخزونها من اليورانيوم العالي التخصيب.
واعتبرت فرنسا أنّ ما أظهره التقرير الذي يأتي قبل أيام من اجتماع لمجلس محافظي الوكالة، يعد "مقلقًا جدًّا".
وفي ردّ على ذلك، شدّد خطيب زاده في بيان فجر الجمعة على أنّ "سمعة" الوكالة الأممية "يجب أن تكون بعيدة عن أي شبهة لسلوك وعمل مسيس".
واعتبر أنّ "أي موقف من قبل مسؤولي ومؤسّسات الدول المختلفة بهدف التاثير على سلوك الوكالة ... يعدّ مساسًا بالمصداقية الفنية والتخصّصية للوكالة"، ما قد يؤدي إلى إثارة "التساؤل حول شرعية إجراءاتها".
اجتماع أميركي-خليجي
قبل العودة إلى طاولة المباحثات، عقدت الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث الأطراف في الاتفاق النووي، مباحثات هذا الأسبوع مع دول الخليج العربية التي سبق لها أن أبدت مخاوفها من البرنامج النووي الإيراني، إضافة إلى توجسها من برنامج إيران للصواريخ الباليستية ونفوذها الإقليمي.
وفي بيان صدر الأربعاء بعد اجتماع أميركي-خليجي، وجّهت الولايات المتحدة وحلفاؤها الخليجيون تحذيراً مشتركاً إلى إيران، متّهمين إيّاها بـ"التسبّب بأزمة نووية" وبزعزعة استقرار الشرق الأوسط بصواريخها البالستية وطائراتها المسيّرة.
إلّا أنّ هذه الأطراف حضّت أيضًا على عودة الجميع إلى الاتفاق النووي.
وجاء في بيان مشترك نشرته الخارجية الأميركية الأربعاء أنّ "أعضاء مجلس التعاون الخليجي قدّموا إيجازًا عن جهودهم لبناء قنوات دبلوماسية فاعلة مع إيران ... ووصفوا رؤية لنمو هذه الجهود الدبلوماسية الإقليمية مع مرور الوقت لتعزيز روابط سلمية في المنطقة، تستند إلى تاريخ طويل من التبادلات الاقتصادية والثقافية".
وشدّدت الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون على أنّ "روابط اقتصادية أكثر عمقًا بعد رفع العقوبات الأميركية في إطار الاتفاق النووي، هي مصلحة مشتركة للمنطقة"، مع ترحيبها بالجولة المقبلة من مباحثات فيينا "والدعوة إلى عودة متبادلة سريعة إلى الالتزام التام بالاتفاق النووي".
واعتبرت هذه الدول أنّ الخطوة "قد تمهّد الطريق لجهود دبلوماسية... لمقاربة كل المسائل الضرورية لضمان أمن ونمو مستدام في المنطقة".