باريس: أشاد إيمانويل ماكرون بعلاقاته الطيبة مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، في وقت يمر فيه البلدان بأزمة دبلوماسية عميقة يأمل الرئيس الفرنسي في إيجاد سبيل "للتهدئة".
قال ماكرون في مقابلة مع إذاعة فرنسا الدولية "أتمنّى حصول تهدئة لأنّني أظن أنّه من الأفضل التحاور والمضي قدمًا" داعيًا إلى "الاعتراف بالذاكرات كلها والسماح لها بالتعايش".
أثار ماكرون غضب الجزائر بعد كلام نقلته عنه صحيفة لوموند قال فيه إنّ الجزائر أنشأت بعد استقلالها العام 1962 "ريعًا للذاكرة" كرّسه "النظام السياسي-العسكري" فيها.
وتحدّث ماكرون، بحسب الصحيفة، عن "تاريخ رسمي أُعيدت كتابته بالكامل ... ولا يستند إلى حقائق" بل إلى "خطاب يقوم على كراهية فرنسا".
وتابع في حواره الإذاعي الثلاثاء "أكنّ احترامًا كبيرًا للشعب الجزائري وأُقيم علاقات وديّة فعلًا مع الرئيس تبون".
أشاد بنظيره الجزائري
وكان ماكرون قد أشاد بنظيره في مقابلة مطوّلة مع مجلة "جون أفريك" في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، لكنه اعتبر في التصريحات التي أوردتها لوموند أنه يفتقر لحرية التصرّف قائلًا "لدي حوار جيد مع الرئيس تبون لكنّي أرى أنه عالق في نظام شديد التصلّب".
باشر ماكرون، أوّل رئيس فرنسي مولود بعد حرب الجزائر (1954-1962)، عملًا غير مسبوق على ذاكرة الحرب التي ما زالت أليمة في نفوس ملايين الفرنسيين والجزائريين.
وعبد المجيد تبون المولود عام 1945 هو أيضًا أول رئيس جزائري لم يشارك في حرب الإستقلال التي بدأت عام 1954.
ووصف ماكرون تبون في حواره الإذاعي بأنه "شخص أثق به".
لكن تبون نتاج خالص لجهاز الدولة الجزائري الذي شكّل مع انتهاء الحرب ويهيمن عليه القادة العسكريون وإن لم يكن للجيش دور سياسي رسمي. وأشار تبون في آب/أغسطس إلى أنّ الجيش يمثّل "العمود الفقري للدولة".
مبادرات متّصلة بالذاكرة
مع اقتراب ذكرى بعض الأحداث المهمة، مثل القمع الدموي للمتظاهرين الجزائريين في باريس في 17 تشرين الأول/أكتوبر 1961 وتوقيع اتفاقيات إيفيان في 18 آذار/مارس 1962، كثّف ماكرون المبادرات المتّصلة بالذاكرة.
فقد كلّف المؤرّخ بنجامان ستورا بوضع تقرير حول الحرب وسبل مصالحة ذاكرة البلدين واعترف رسميًّا باغتيال فرنسا المحامي الجزائري علي بومنجل عام 1957 وأعاد رفات مقاومين جزائريين من القرن التاسع عشر وطلب "العفو" من الحركيين الجزائريين الذين ساعدوا الجيش الفرنسي عن الطريقة التي عاملتهم بها باريس بعد الحرب.
ويرى الرئيس الفرنسي أنّه يقوم بـ"عمل معمّق مع الشباب الفرنسي والفرنسي الجزائري. وبالتالي، نقول لبعضنا أمورًا ليست مرضيّة لنا أنفسنا"، وأضاف "لم أراعِِ (الفرنسيين) في ما يتعلّق بتاريخنا الخاص".
وتابع "حين طُرح عليّ السؤال حول كيفيّة تلقّي تقرير بنجامان ستورا في الجزائر، اضطررت إلى قول الحقيقة للرئيس تبون، تباحثنا في المسألة وهو شخص أثق به. أدلى بكلام ودي ومتناسب" لافتًا إلى أنّه في الجزائر "قام كثيرون بالإساءة إلى بنجامان ستورا وتهديده أحيانًا إثر هذا التقرير. لن نتظاهر بأنّ ذلك لم يكن أمرًا يذكر".
واعتبر أنّ مسألة العمل على الذاكرة "هي في الأساس مشكلة فرنسية-فرنسية" مؤكّدًا "علينا مواصلة هذا العمل بكثير من التواضع وكثير من الإحترام".
لكن ماكرون لم يعد الثلاثاء إلى أكثر تصريحاته التي خلّفت استياء لدى الرأي العام الجزائري والتي شكّك فيها في وجود "أمة جزائرية" قبل الإستعمار الفرنسي.
وجاء في قسمها الذي نقلته لوموند "بناء الجزائر كأمّة ظاهرة تستحق النظر. هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الإستعمار الفرنسي؟ هذا هو السؤال. كان هناك استعمار سابق. أنا منبهر من قدرة تركيا على جعل الناس ينسون تمامًا الدور الذي أدّته في الجزائر والهيمنة التي مارستها" زمن الإمبراطورية العثمانية.