بعد أشهر من الجمود السياسي الذي خيّم على المغرب، وعطل عمل الحكومة، عرض رئيس الحكومة الجديدة سعد الدين العثماني، الخطوط الرئيسة للبرنامج الحكومي الذي يعتزم تطبيقه في مختلف مجالات النشاط الوطني أمام أعضاء غرفتي البرلمان المغربي.
إيلاف من الرباط: قال العثماني إن برنامج حكومته يأتي في "ظرفية سياسية دقيقة تميزت بتنظيم ثاني انتخابات تشريعية في بلادنا بعد إقرار دستور 2011، وفي جو شعبي راقٍ يتسم بمتابعة غير مسبوقة لتطورات الحياة السياسية وتدبير الشأن العام".
سبل النجاح
وأكد أن المرحلة تقتضي "التعبئة الشاملة لمواجهة التحديات الكبرى التي تنتظرنا على المستويين الداخلي والخارجي، والانخراط بقوة وإيجابية وثقة، بهدف مواصلة البناء الديمقراطي وتشييد دولة الحق والقانون.. دولة يتمتع فيها المواطنات والمواطنون، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات، في ظل التضامن بين مختلف فئات الشعب المغربي وبين جهات المملكة".
واعتبر أن النجاح يتطلب "تكريس المبادئ الكبرى التي يقوم عليها النظام الدستوري للمملكة، والمبنية على قاعدة فصل السلطات وتوازنها وتعاونها، وعلى الديمقراطية المواطنية والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة".
وشدد العثماني على أهمية تمتين "الإرادة الجماعية لمختلف المؤسسات والقوى الوطنية الحية في صيانة النموذج المغربي الذي نفخر به جميعًا، وتعزيز مقومات قوته ومواصلة إشعاعه، وتعزيز ثوابت الأمة المغربية الجامعة التي تتمثل في الدين الإسلامي السمح، ووحدة الهوية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي، في ظل مغرب معتز بهويته الجامعة وأصالته التاريخية ومتشبث بقيم الانفتاح والاعتدال، وملتف تحت قيادة الملك محمد السادس، باعتباره رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة".
ثوابت وطنية
وجدد العثماني التأكيد على "المواقف الوطنية الثابتة والجامعة في القضايا الوطنية الكبرى"، معلنًا أن المغرب سيظل "البلد المتمسك بثوابته الدينية وفق منهجية الوسطية والاعتدال، وقيم التعايش والحوار، ودعم الخطاب الديني المعتدل وتعزيز دور العلماء في الدعوة والإرشاد والإصلاح في المجتمع، والاستمرار في دعم دور المساجد والأوقاف، والعناية بوضعية العاملين في الحقل الديني، بما يخدم تعزيز الأمن الروحي للمغاربة، وفقًا لتوجيهات أمير المؤمنين".
خص العثماني قضية الوحدة الوطنية والترابية للمملكة بجزء من التصريح الحكومي، حيث أعلن تجديد الحكومة التأكيد على "الإجماع الوطني بخصوص صيانة ودعم وحدة واستقلال وسيادة المملكة شمالًا وجنوبًا، وفي المقدمة قضية الصحراء المغربية، بما هي مجال تعبئة شاملة تحت قيادة الملك، وما يتطلبه ذلك من تعبئة كل الإمكانات من أجل تثبيت الحق المغربي عبر التوصل إلى حل سياسي نهائي متوافق عليه، في إطار المبادرة المغربية للحكم الذاتي"، متعهدًا بمواصلة الحكومة "دعم الحضور المغربي، سواء على المستوى الحكومي أو البرلماني أو المدني، في مختلف المنابر والمحافل الجهوية والقارية والدولية، لتشجيع المبادرة الهادفة إلى الدفاع عن الوحدة الوطنية والترابية لبلادنا".
تحية لابن كيران
وسجل رئيس الحكومة بأن بلاده تمكنت على مدار السنوات والولايات التشريعية السابقة من القيام بـ"إصلاحات سياسية ودستورية جوهرية، ومن إطلاق ورشات كبرى وهيكلية للبنيات التحتية، وبلورة سياسات قطاعية مهمة، مكّنت بلادنا من تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية معتبرة"، مؤكدًا استمرار حكومته في العمل على "تطبيق الإصلاحات السياسية التي أقرها دستور 2011".
كما خص العثماني حكومة سلفه عبد الإله ابن كيران بتحية خاصة، وقال "أوجّه التحية للفريق الحكومي السابق برئاسة الأستاذ ابن كيران على العمل الذي قام به، ولما بيّن عنه من كفاءة واقتدار ونكران ذات"، معتبرًا الإصلاحات التي أقرّتها حكومته "تفتح اليوم آفاقًا جديدة وتوفر فرصًا واعدة للارتقاء بالسياسات العمومية والتقدم نحو الاستجابة لانتظارات المواطنات والمواطنين، داخل المملكة وخارجها، وتطلعات مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، واعتماد أولويات جديدة لتوفير شروط ولوج بلادنا المستحق لنادي الدول الصاعدة"، كما أكد أن الحكومة تتعهد بمختلف مكوناتها مواصلة الاصلاحات التي بدأتها الحكومة السابقة، بما فيها إصلاح صندوق المقاصة (صندوق دعم المواد الأساسية).
إجراءات اقتصادية
وتوقع رئيس الحكومة تحقيق نسبة نمو تتراوح بين 4.5 و5.5 بالمائة في أفق سنة 2021، متعهدًا بالعمل على إدخال المغرب نادي دول الاقتصاد الصاعدة، وتخفيض نسبة البطالة إلى 8.5 بالمائة بدلًا من 9.5 المسجلة حاليًا، كما تعهد العثماني بتحسين الخدمات الصحية وتعزيز المكاسب الاجتماعية التي استفاد منها عدد من الفئات الاجتماعية الهشة مع حكومة ابن كيران، معلنًا الاستمرار في تقديم الخدمات الصحية المجانية إلى الفقراء وتجويدها واستمرار دعم الأرامل.
ويراهن البرنامج الحكومي على جملة من الإجراءات الاقتصادية، من بينها تسريع وتيرة تنفيذ المخطط الجديد لإصلاح الاستثمار، وخاصة تفعيل النظام الجبائي التحفيزي الخاص بالشركات الصناعية الجديدة والصناعات المصدرة الكبرى، واعتماد ميثاق جديد للاستثمار والعمل على تفعيله، وتسريع دمج الهيئات العمومية المكلفة دعم وتشجيع الاستثمار والتصدير والترويج، ووضع تحفيز مالي خاص بالمقاولات الصناعية الجديدة والناشئة الصغيرة والمتوسطة، والتي تستثمر في القطاعات الواعدة، ودعم المقاولات الصغيرة جدًا والصغيرة والمتوسطة من أجل رفع قدرتها التنافسية بمواكبة 20 ألف مقاولة، منها 500 مقاولة رائدة، وبلورة استراتيجية وطنية لمعالجة وإدماج القطاع الخاص غير المنظم.
محور الزراعة
كما تعهدت الحكومة بتفعيل استراتيجية المغرب الرقمي 2020، وتنفيذ إصلاح القانون البنكي، الذي نص على إحداث تمويلات بديلة في إطار المالية التشاركية، بهدف تعبئة المزيد من المدخرات ووضع آليات تمويل جديدة، وتدعيم ومواكبة الرؤية الجهوية للقطب المالي للدار البيضاء ومواصلة وتعزيز الإستراتيجيات القطاعية الخاصة بالقطاعات المنتجة في مجالات الفلاحة والصيد البحري والطاقات والمعادن.
تراهن الحكومة أيضًا على مواصلة تنفيذ مخطط المغرب الأخضر وتعزيز استدامة الفلاحة التضامنية وتحفيز الصناعات الغذائية، وإطلاق برنامج 2017-2021 لمشاريع الدعامة الثانية من الفلاحة التضامنية يهمّ 297 مشروعًا باستثمار 6.5 مليارات درهم ( 650 مليون درهم) لفائدة 130 ألفاً من صغار الفلاحين، وعلى مساحة 400 ألف هكتار، وتعزيز ريادة المغرب في مجال الفوسفات، ووضع إطار قانوني وإداري وتنظيمي لتشجيع الاستثمار في القطاع المعدني والمنجمي، وقطاع المواد البترولية والغاز الطبيعي، خاصة عبر إدراج تحفيزات في إطار قانون المالية وميثاق الاستثمار.