«إيلاف» من فاس: تفتتح اليوم (الجمعة) فعاليات "مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة"، في دورته الثالثة والعشرين، التي تحتفي بالماء في بعده الروحي، تحت شعار "الماء والمقدس"، فيما تستقبل الصين كـ"ضيف شرف".
ويتضمن برنامج الدورة، التي تتواصل على مدى تسعة أيام، 14 موعداً ثقافياً، تشمل حفلات وعروضاً موسيقية وفنية، تتوج بحفل اختتام بفضاء "باب الماكنة"، تحييه سيدة الطرب العربي الفنانة اللبنانية ماجدة الرومي؛ فيما يناقش "منتدى فاس"، في دورته لهذه السنة، تيمة الماء من زوايا العلاقة بالأبعاد الروحية ومتطلبات التنمية المستديمة والنظم البيئية الهشة، في حضور خبراء ومفكرين وباحثين من مختلف مناطق العالم.
المقدس... الإنسان والطبيعة
يسعى مهرجان فاس، ببرنامجه المتنوع والغني وشعاره المعبر عن انشغالات كونية، كما يقول آلان فيبر، مديره الفني، إلى "أن يكون عبارة عن رحلة مسارية تتخللها الموسيقى والشعر والرقص، فالمقدس هو الرابط الذي يصل الإنسان بالطبيعة، كما أشار إلى ذلك كلود ليفي شتراوس، الذي تصور إضفاء القداسة على الكائن الحي شرطاً أساسياً لحماية البيئة. فالجانب المغمور من موسيقى الآخرين يستدعي اكتشاف الذات، غموضه هو امتداد لهذا اللا مرئي الذي يعود إلى فترة تكون الأزمنة، وإلى الحقبة التي نشأ فيها الكون، حين كان الإنسان يتوسل إلى الذات الإلهية من أجل تدبير حياته اليومية. وأكثر من ذلك فإن استكشاف موسيقى الآخر يؤدي إلى اكتشاف الذات، والإنصات إلى المجهول يعني التوغل في السر".
وتحدث عبد الرفيع زويتن، رئيس "مؤسسة روح فاس" و"مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة"، عن شعار الدورة، فقال إنه يتمحور حول الماء "باعتباره مصدر الحياة والإلهام الذي يروي بالتساوي كلاً من الجسد والروح"؛ مشيراً إلى أن "هذا الاختيار المتميز يستجيب لضرورة تحسيس أكبر عدد ممكن من الناس بالإشكاليات البيئية التي تستحوذ على الكرة الأرضية والتي يرتهن بها مصير البشرية نفسها"، مذكراً، في هذا الصدد، بالدورة الـ 22 من "مؤتمر الأطراف"، التي انعقدت في مراكش شهر نوفمبر الماضي، حول التغيرات المناخية، والتي شددت على أهمية الماء كرهان أولي، في وقت يؤكد فيه بعض الباحثين أن النظم الإيكولوجية قد تتعرض لانهيار تام لا رجعة فيه بحلول العام 2100". وبذلك، يضيف الصقلي، "يعتبر تفحص رمزية الماء، في غضون المهرجان، دعوة ملحة لنا كي نتصالح مع البيئة ونتعبأ من أجل مستقبل أطفالنا ومستقبل العالم. فالماء رمز للتطهير في سياق المقدس الكوني والشعر الصوفي، وهو، في حد ذاته، دعوة لاحترام الأرض التي نقتات منها".
واستحضر الصقلي تاريخ فاس، أول عاصمة للمغرب، فقال إن موقعها قد اختير من طرف مؤسسها مولاي إدريس ورفيقه عـُـمـَــير "لوفرة ينابيعها. فالمدينة العتيقة التي شيدها بناة مهرة تحتوي على نظام مائي باهر ينم عن دراية وبراعة يمكن للمقيم أو المسافر أن يتبينها بوضوح. الماء فيها يجري وفق نسق معماري وفني يرفع من شأنها. بها آلاف النافورات المزينة في معظم الأحيان بالزليج، والتي تجسد، بالإضافة إلى طابعها الحيوي، مزيجاً من الفضائل الروحية والإرث الثقافي".
وتحدث الصقلي عن العرض الافتتاحي لدورة هذه السنة من المهرجان، فقال إنه "عبارة عن رحلة شعرية تنطلق من نافورات فاس، تلك التحف المعمارية التي يتدفق منها الماء، لتمضي بنا صوب الينابيع الجبلية حتى المحيط، مستحضرة، في عبورها، أساطير عديدة. ذلك أن الماء الذي يهب الحياة بإمكانه، أيضاً، أن ينزعها من طوفان الأزمنة الميثولوجية إلى الفيضانات المهولة التي يشهدها كوكبنا اليوم".
موسيقى من كل الآفاق
فضلاً عن حفلي الافتتاح والاختتام، يقترح برنامج التظاهرة، حسب المنظمين، لقاءات وتجارب متعددة الثقافات وحفلات موسيقية، تلتقي في روحانيتها من دون أن تتشابه في إخراجها وتوجهها الفني، ينشطها عدد من الفنانين والمجموعات الموسيقية، بينهم لينغلينغ يو، العازفة الصينية البارعة على الإهرو (الكمان) والبيبا (العود)؛ وأوبرا وو من تسهيانغ؛ ومارلوي ميرندا ذات الأصول البرازيلية؛ و"سونغهاي" التي ستجمع بين الأندلس الغجرية وتقاليد مالي الماندينغية، من خلال مشروع فني يجمع بين عازفي القيثارة كامونا والعازف على آلة الهارب كارا المالي توماني دياباتي؛ وعازف القيثارة الأميركي إريك بيب في حفل يعيد الجمهور إلى جذور البلوز وترجيعاته المعاصرة؛ والسينمائيان فانسان مون وبريتشيلا تلمون، في مزج بين الصور والأصوات في زمن واقعي؛ وستيليوس بتراكيس، الذي سينقل للجمهور روح الاحتفالات اليونانية؛ فضلاً عن أريستيس إي سورتزو بريستيو؛ وفرقة لينكوم الإيرلندية؛ والموسيقي الكناوي المهدي الناسولي برفقة تيتي روبان؛ ونجمة البوب اللبنانية ياسمين حمدان؛ والملحن بيثينتي أميغو، الذي يعتبر من أمهر العازفين على قيثارة الفلامنكو المعاصرين، فضلاً عن عرض فني، بعنوان "نهر الغانج العاشق"، الذي سيجمع بين أصوات قادمة من فرنسا والهند برفقة مجموعة "رنين" والمغنية بيلفا نايك؛ وكلير زلامانسكي، التي تضفي طابعاً عثمانياً على الريبرتوار اليهودي الإسباني.
حديث الماء في «منتدى فاس»
أكد "استدلال" منتدى فاس، لهذه السنة، أن "من التحديات الكبرى، التي سيواجهها العالم، بشكل متزايد، ارتفاع حرارة المناخ"، مشيراً إلى أن "انعكاسات ذلك على الإنسان والحيوان والنبات ستكون فادحة، من جهة أن "كل التساؤلات المتعلقة بالماء ترتبط بالمناخ واضطراباته، سواء تعلق الأمر بالأمطار أو الثلوج أو الجليد أو المحيطات أو الأنهار أو الأودية أو الفيضانات أو المياه الجوفية أو السقي أو الماء الصالح للشرب لتزويد التجمعات السكنية الصغرى والكبرى". ولذلك فـ"مع تفاقم الفوارق الاجتماعية بين الأمم وفي داخل البلدان صارت الرهانات المناخية من المتغيرات المحددة للتوازنات البيئية والاقتصادية والاجتماعية للأرض"، الشيء الذي يؤكد على أن "تدبير الماء، في ظل هذه المعادلة الشاملة، هو الدعامة الأقوى والأشد حساسية وهشاشة لفهم الحياة والتأثير فيها وفي الشروط المادية والروحية والاقتصادية الاجتماعية التي تساهم في ازدهارها وفي دوامها"؛ وبالتالي فـ"بدون الماء لا وجود لأي شكل من أشكال الحياة فوق الأرض".
وينتظر أن تنصب أشغال "منتدى فاس" على أربعة محاور، تهم "مصطلحات النقاش" و"الأبعاد الروحية للماء" و"الماء في ظل متطلبات التنمية المستديمة" و"الماء في النظم البيئية الهشة".
ويتدخل في جلسة "مصطلحات النقاش"، التي يترأسها عمر أصبحي رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، كل من لويك فوشون في موضوع "البعد العالمي لإشكاليات الماء"، وعبد العظيم الحافي في موضوع "الماء في ظل مقتضيات وتوصيات مؤتمر الأطراف 22"، ومحمد بنونة في موضوع "النهر والتنمية المستديمة في القانون"، وفلافيا شليغل في موضوع "الماء من أجل السلم"، وأسماء القاسمي في موضوع "دور النساء في التدبير المتكامل للموارد المائية".
أما جلسة "الأبعاد الروحية للماء"، التي يترأسها جلال أمال رئيس جامعة القرويين بفاس، فتعرف تدخل كل من أحمد عبادي، وإدغار موران، وديدييه فيفييه في موضوع "الماء، السلطة والمدينة"، وليلي أنفار، وجيرار كوركدجيان في موضوع "الموسيقى والماء، التماعات فكرية".
أما جلسة "الماء في ظل متطلبات التنمية المستديمة"، التي يترأسها ادريس عويشة رئيس جامعة الأخوين بإفران، فتعرف مشاركة محمد آيت القاضي في موضوع "الماء من أجل التنمية والتنمية من أجل الماء"، وموحى المرغي في موضوع "الماء في الاستراتيجيات الفلاحية"، وعبد السلام زياد في موضوع "سياسة الماء في المغرب من الاستقلال إلى الآن"، وغريغوري لازاري في موضوع "مشروع سبو، حلم من سنوات 2000"، والحسين أكراجاي في موضوع "تنمية الموارد المائية في مواجهة التغيرات المناخية"، وإبراهيم أقديم في موضوع "الإشكاليات المائية في التنمية المندمجة لحوض سبو".
فيما يتدخل في جلسة "الماء في الأنظمة البيئية الهشة"، التي يترأسها محمد بوكبوط، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، كل من حورية التازي الصادق في موضوع "عن ضرورة استكشاف الواجهة المائية والتغيرات المناخية"، وعبد الله العوينة في موضوع "التدبير المستديم لمياه الجبل في سياق التغيرات المناخية"، ومحمد الناصري في موضوع "ندرة المياه ووفرتها: المنطقان المتناقضان لتدبير الموارد النادرة"، وعبد الرحمان آيت الحاج في موضوع "الماء في النظام البيئي لزراعة الأرغان، تحديات ودروس الاستدامة"، وبيير لوي مايو في موضوع "المياه المستعملة من مشكل قديم إلى فرص جديدة من أجل تنمية مستديمة"، وفؤاد السرغيني في موضوع "الشبكات الهيدروليكية التقليدية، من الإهمال إلى إعادة الإدماج".