اعتقلت شرطة مدينة النجف العراقية شابين مثليين، وهما في ثياب العرس، في سيارة كانت مهيأة لزفافهما، مدّعيين أن زواجهما شرعي بفتوى دينية.
إيلاف من بغداد: أظهر شريط فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، اطلعت عليه "إيلاف"، اليوم عددًا من أفراد شرطة النجف (160 كم حنوب بغداد) وهما يخرجان الشابين المثليين من سيارة بيضاء قد زينت بالزهور، وهما بداخلها في ثياب العرس، حيث ظهر أحدهما وهو يرتدي فستان زفاف أبيض مثل الذي ترتديه الفتيات، فيما العريس ارتدى بدلة أنيقة.
وقد حاول أفراد الشرطة إزاحة برقع بدلة العرس عن وجه الشاب العروس، غير أن العريس رفض أن يتعرّضوا لعروسه الشاب، وحاول إقناع ضابط الشرطة بمشروعية ما قاما به، موضحًا أنهما يعشقان بعضهما البعض، ومؤكدًا لهم بالقول إن "عندي فتوى"، في إشارة إلى حصوله على إذن شرعي للزواج من أحد رجال الدين، فيما لم يعرف بعد في ما إذا كان زعمه هذا صحيحًا أم لا.
وبعد تحقيق قصير قام عناصر الشرطة بوضع الشاب "العروس" في سيارة حوضية، غير أن العريس الشاب حاول أن يكون مع عروسه، إلا أن الشرطة أصرّت على فصلهما بسيارتين.
يعتبر هذا الحادث نادرًا في مجتمع مثل المجتمع العراقي، الذي يحتفظ بتقاليده الصارمة، ويحرم المثلية، خاصة وأن بعض الجماعات الدينية المتطرفة شنّ قبل أربع سنوات حملات لقتل المثليين في بعض المدن العراقية.
ما أثار استغراب المراقبين هو حصول هذه الحادثة في مدينة النجف المقدسة التي تضم ضريح الإمام علي بن أبي طالب، إضافة إلى أنها مقر مراجع الشيعة الأربعة الكبار، يتقدمهم المرجع الأعلى آية الله السيد علي السيستاني.
فيديو زواج الشابين المثليين في مدينة النجف:
رسالة ماجستير عن المثلية في العراق
وكانت جامعة بغداد ناقشت في العام الماضي رسالة ماجستير عن "المثلية الجنسية في العراق"، معيدة هذه الظاهرة إلى الواجهة، بعدما طبعتها السرية الممزوجة بالخوف من التصفية الجسدية في مجتمع محافظ.
اتخذت الدراسة من العاصمة مجالًا بحثيًا لرصد الظاهرة، حيث استعرض الباحث واثق صادق تجارب حوالى 30 مثليًا والظروف الاجتماعية المحيطة بهم فضلًا عن الدوافع والمسببات والحيثيات.
يبرر الباحث اختياره لموضوعة البحث "المحرجة" ما يعدّه تسليطًا للضوء على "المثلية الجنسية الذكورية في المجتمع العراقي" بضرورة "السعي إلى الوصول إلى حقائق وبيانات ومعلومات ميدانية بشأنها، والتصدي لمناقشتها، وكشف أسرارها، في ظل قلة الدراسات التي تعالج قضاياها وندرة البحوث ذات العلاقة بالجنس"، منوهًا بأن "ذلك يعدّ تحديًا من شأنه أن يفتح الباب واسعًا أمام دراسات أخرى".
ويشير إلى العوامل التي تلعب دورًا في التحولات المثلية باعتبار أن "هناك عاملين نفسي واجتماعي يؤثران في توجهات الفرد الجنسية وميله الجنسي نحو المثيل".. موضحًا أن "هذين العاملين يتفاعلان بشكل جدلي في ذات الفرد، سواء بعد تعرّضه إلى تجربة جنسية محددة في الصغر أو تحسسه لاضطراب البيئة الأسرية من حوله أو عوامل الصدمة النفسية الناتجة من تجربة اجتماعية قاسية، كالفقد والحرمان العاطفي والإذلال والعنف والقسوة، سواء في داخل العائلة أو في خارجها".
يصنّف صادق مثليي الجنس في المجتمع العراقي، إلى صنفين "عام وخاص"، ويعرّفهما بأن "العام" هم الفئة التي "تجاوزت مرحلة الاضطراب النفسي" بمعنى أنهم تآلفوا على وضعهم المثلي، بينما يجد أن الفئة الثانية "الخاص هم من "يعانون من أزمة عميقة ناتجة من اختلال المكانة والهوية الجنسية.
مثليان عراقيان في حديقة الوزراء في وسط بغداد |
ويرى الباحث أن "موقف أفراد فئة العام ينحو بشكل أكبر باتجاه رفض المرأة واستهجانها"، مضيفًا أن "فئة الخاص يعيشون موقفا متذبذبًا إلى حد كبير من قبول أو رفض المرأة التي يتقمصونها في ذواتهم، وهذا ما يفسر بشكل ما، طبيعة العلاقات الزوجية، التي وجد عليها الباحث الوحدات المبحوثة من المتزوجين، إذ يطبع البرود والتوتر علاقاتهم الزوجية".
المثلية في العراق على مدى عصور
يشار إلى أن "المثلية الجنسية" ظاهرة اجتماعية يعرفها العراقيون جيدًا، وتعود جذورها إلى عصور خلت، حيث كانت ظاهرة "الغلمان" واضحة في المجتمع، وراجت قصص وحكايات عن "الحب المثلي". غير أن تلك الظاهرة برزت مع بدايات القرن العشرين في مناطق محددة من بغداد والبصرة والموصل، وأشارت أمثال وأغان قديمة إلى تجدد تلك الظاهرة، لكنها غالبًا ما كانت تمثل نوعًا من "استفراد" رجال أقوياء بـ"شباب" أو "أولاد" لديهم ميول "أنثوية".
وخلال فترة الانفتاح السبعيني عبّر عدد غير قليل من المثليين عن انتمائهم، لكن مع دخول العراق في حرب قاسية وشرسة مع إيران في بداية الثمانينيات ظهت "المثلية" متنفسًا "جنسيًا" لأعداد من الفتيان. وفي زمن الرئيس السابق صدام حسين في مطلع تسعينات القرن الماضي أصدر "مجلس قيادة الثورة" (المنحل) مرسومًا يُجرم "الدعارة والمثلية وزنى المحارم والاغتصاب"، على أن تكون العقوبة هي الإعدام، وأخذت ميليشيا نجله الأكبر عدي (فدائيي صدام) بتنفيذ تلك الأحكام بقرارات قضائية صورية، وفي الغالب باجتهادات فورية، حيث كانت "تُقطع الرؤوس بالسيف أمام الناس"، ووثقت ذلك منظمة العفو الدولية في تقرير عام 2002.
بعد انهيار النظام في 2003، ازدادت تلك الحملة ضراوة بفعل انتشار الجماعات الدينية المسلحة، والتي ترى في الظاهرة فسادًا وانحرافًا أخلاقيين، لا يمكن السكوت عنه، وأن من واجبها الحفاظ على المجتمع من أمثال هؤلاء "المثليين" و"بائعات الهوى".
وبحسب تقرير نشرته صحيفة الأوبزيرفر البريطانية في أواخر عام 2009 استنادًا إلى أقوال منظمة عرّفت نفسها بـ"جماعة المثليين جنسيًا في العراق" ويرأسها ناشط يدعى "علي بن حلي"، ومقرها لندن، أن 680 مثليًا قتلوا بين عامي 2004 و2009، من بينهم 130 مثلياً قتلوا على يد جماعة دينية متطرفة ترتبط بميليشيا "جيش المهدي" عبر شخص يدعى "حمزة"، ويعمل مهندس تقنيات. ويقوم "حمزة" وفقًا لتصريحاته بـ"اصطياد المثليين من على شبكات التواصل الاجتماعي وغرف الشات" ليتم استدراجهم بعدها وقتلهم.