تشهد صناعة التدريب الذاتي والتطوير للنجاح في الحب والمواعدة نموا ملحوظا من عام إلى آخر، ويرجع جزء من الفضل في ذلك إلى ارتفاع أعداد النساء العازبات في الثلاثينات من العمر واللواتي يبحثن عن شريك. ورغم أن المدربين دائما يعدون عميلاتهن بأنهم سيضمنون لهن إيجاد الرجل الحلم، ففي واقع الأمر ليس هناك أي ضمان، لكنهم على أي حال ينجحون أحيانا على ما يبدو في جعل النساء العازبات أكثر سعادة.
في قاعة التدريب يتحرك المدرب روبرت بورال بحيوية، ويكاد يقفز على المنصة وهو يواكب بحركاته الموسيقى التي تتردد في أرجاء المكان، ويقول "أريد أن أخبرك ببعض الأخطاء التي ترتكبينها".
"هل أنت مستعدة لهذا؟" يسأل السيدات الموجودات في القاعة. ولا نسمع سوى همهمات خجولة.
يعيد بورال سؤاله: هل أنت مستعدة لهذا؟". تجيب إحدى السيدات "نعم".
يتوقف بورال فجأة في منتصف المسرح، يمسك الميكروفون بيد، وباليد الأخرى يشير إلى الحضور. ويصرخ: "أنتن، أيتها السيدات ترتكبن خطأ بإعطاء الرجل امتيازات الزوج وهو ما زال في مرحلة الصديق".
ويضيف "الرجال صيادون! في اللحظة التي يمسك فيها الأسد برقبتك، وتنزفين حتى الموت. يبدأ على الفور في البحث عن فريسة أخرى".
ويهز جسده ووركيه بطريقة موحية، وهو يقول "لذا من فضلك... لا تقومي بشيء من هذا القبيل".
تضحك امرأة، وتومئ برأسها. ويتعالى بعض التصفيق.
وروبرت بورال، وهو في السادسة والأربعين من عمره، مدرب تطوير ذاتي مختص بالحب، ينظم دورات تدريب منتظمة تحت اسم "عزيزاتي النساء"، مستهدفا النساء غير المتزوجات، اللاتي يأملن في العثور على زوج والاستقرار معه.
حين استقبلنا بورال خارج مكتبه في نيروبي، في كينيا. كان الجو حارا جدا بالنسبة للبدلة رمادية اللون التي كان يرتديها مع قميص وردي وربطة عنق ومنديل جيب مناسب، ولكن كما أوضح، فأنت لا تعرف أبدا ماذا سيحمل لك يومك، أو من ستلتقي خلاله. والبدلة دائما تترك انطباعا جيدا، كما يقول.
كانت مقاطع الفيديو التدريبية الخاصة ببورال تُعرض على عدة شاشات داخل المكتب، وحيثما تحرك وهو يتجول معنا تتبعه رائحة عطر فاخر. كان هناك حوالي عشرة أشخاص منهمكين بالعمل على أجهزة كمبيوتر. وقالت لنا موظفة الاستقبال الشابة إن مشاهدة مقاطع الفيديو هذه أنقذت حياتها.
على طاولة تكدست كتب التحفيز الذاتي التي ألفها بورال. وهناك أيضا كتاب عن سيرته الذاتية بعنوان "من نادي التعري إلى منبر الوعظ"، وهو يتتبع مسيرة بورال من إدمان المواد الإباحية إلى تحقيق شهرة كأحد المتحدثين التحفيزيين الأكثر رواجا في الكنائس والمؤتمرات في أنحاء أفريقيا.
يقول بورال إن لديه سر العثور على الحب الأبدي، رغم أن حياته الشخصية لم تسر دائما بشكل جيد. ويوضح "بصراحة تامة، انهار زواجي بشكل علني، لكن هذا لا يعني أنني لا أستطيع تقديم المشورة الكاملة للنساء حول كيفية إقامة علاقة ناجحة. أعرف أين مواطن الخطأ لدى الناس".
ووفقا للاتحاد الدولي للمدربين، وهو الهيئة التي تمثل المشتغلين بصناعة التدريب والتطوير الذاتي العالمية، تضاعفت أعمال التدريب على التطوير الشخصي من حيث الأرقام والقيمة المالية منذ عام 2015 ، وهي طفرة يغذيها الإقبال المتزايد على هذا المجال عبر الإنترنت، وكذلك التغيرات الديموغرافية التي تحصل في المجتمعات.
ويشمل التطوير الذاتي عدة مناح، منها التدريب على نمط حياة أفضل، وهذا قد يشمل ممارسة التأمل وإدارة الإجهاد وتنمية الثقة بالنفس، بالإضافة إلى التدريب على الحب، والذي يتعلق أكثر بالمواعدة. ولكن حتى في التدريب على أسلوب الحياة الأفضل، قد يكون العثور على الشريك هو الهدف النهائي المطلوب.
يقول جون بيرجر، مؤلف كتاب "ديتونوميكس" والخبير في المواعدة: "هناك عاملان كبيران يقودان إلى الطلب المتزايد على تدريب المواعدة. الأول هو الفجوة بين الجنسين في الجامعة، أي النقص في أعداد الرجال الذين يلتحقون بالجامعة ويتخرجون منها. والآخر هو الثقافة السامة للمواعدة عبر الإنترنت. كلا السببين يجعل المواعدة صعبة للغاية بالنسبة للنساء المتعلمات والناجحات غير المتزوجات واللواتي أصبحن في الثلاثينات والأربعينات من العمر. . لذا، ليس من المستغرب أن تكون هذه الشريحة هي المستهدفة من قبل معظم مدربي الحب".
وبحسب أرقام مكتب الإحصاء الوطني في المملكة المتحدة العام الماضي، فإن عدد النساء البريطانيات اللواتي أصبحن في الثلاثينات من العمر ولم يتزوجن، قد تضاعف خلال عقد من الزمن. ورغم أن الأرقام قد لا تكون دائما شديدة الدقة، فإن أمرا مشابها يحدث في بلدان أخرى من العالم من الولايات المتحدة إلى كينيا.
لكن تكلفة التدريب الفردي مع خبير مواعدة ليست بالقليلة، ويمكن أن تصل إلى 8000 دولار شهريا وفقا لجون بيرجر. كما يقول الاتحاد الدولي للمدربين إن صناعة التدريب على التطوير الذاتي في أنحاء العالم تبلغ قيمتها الآن نحو 13 مليار دولار سنويا.
وبالعودة إلى جلسات تدريب "عزيزاتي النساء". قبل موعد الجلسة بيوم واحد، تخبرنا ماري أنها شاهدت جيرانها وهم يحممون طفلتهم الصغيرة على الشرفة ويهللون لها. ابتسمت ماري لهم. هي الأخرى تريد طفلا تلاعبه وتحممه بنفسها.
ماري في الخامسة والثلاثين من عمرها، وهي غير متزوجة في بلد يبلغ متوسط سن الزواج فيه 21 عاما في المدن و19 عاما في المناطق الريفية، وفقا لأرقام البنك الدولي. وعلاوة على ذلك فإن ثلاثا من شقيقاتها الخمس الأصغر سنا، متزوجات.
تقول ماري: "معظم الضغوط تأتي من عائلتك، من والديك، وأجدادك، وأعمامك، وخالاتك". كلهم يسألونها باستمرار لماذا لا تزال عازبة. وتضيف "أريد أن أعرف لماذا. ما الخطأ الذي أرتكبه؟".
لكن هل كونها عازبة يعني فعلا أنها ترتكب خطأ ما؟ ألا يمكن أن تكون هناك عوامل أخرى؟ أم أن اللقاء مع الشخص المناسب أمر مرتبط بالحظ والصدفة؟
تقول ماري: "لا أعرف. كثير من الناس يقولون لي إنني انتقائية. لا أدري ما إذا كنت انتقائية أم لا. حقا لا أعرف".
تعمل ماري في مركز للاتصالات، وستكلفها دورة "عزيزاتي النساء" 50 دولارا، وهو راتبها لمدة أسبوع. وهي ليست واثقة من أنها ستنجح وتسفر عن إيجاد زوج، لكنها مستعدة لذلك على أي حال. "الأمر يستحق المحاولة" كما تقول.
ماثيو هاسي، نجم عالمي بما يتعلق بالتدريب والتطوير الذاتي، وهو مؤلف كتاب "احصلي على الرجل" الصادر عن نيويورك تايمز وأحد الكتب الأكثر مبيعا، ولديه 2.2 مليون مشترك في قناته على يوتيوب، وقد حقق شريط فيديو له بعنوان "3 عبارات تذوب الرجل وتجعله يقع في حبك" أكثر من 18 مليون مشاهدة.
أما الدروس الخاصة للتدريب على أسلوب الحياة مع هاسي فتكلف عدة آلاف من الدولارات. بل حتى دروسه عبر الإنترنت تكلف 800 دولار.
أخبرتنا سيدة بأنها تخطط للمشاركة بإحدى دورات ماثيو هاسي القادمة من أجل التعافي بعد انفصالها عن شريكها بشكل مؤلم جدا.
وحين قلنا لهاسي إن الناس يأتون إليه وهم في فترة ضعف وهشاشة، فيبيعهم أحلاما، رد قائلا "لا أعتقد أن من يشاهد أيا من مقاطع الفيديو الخاصة بي يمكنه الادعاء بأنني أبيع حلما، أنا صادق جدا بشأن ما أعتقد أنه قابل للتحقيق. إذا أتاني من يود الحصول على نصائح في المواعدة، فأنا أسعى لمساعدته على أن يكون سعيدا، سواء نجحت المواعدة أم لا، لأنها لا يمكن أن تنجح دائما".
ويضيف أن من لحظاته الرائعة حين يصادف شخصا في الشارع ويقول له لقد تزوجت بفضلك.
ويقول هاسي "إذا كان هذا هو ما تريده، وحصلت عليه، فهو مذهل، لكنني أريد أيضا أن أتأكد من أنك سعيد بنفس القدر حتى إن لم تعثر على ذلك".
وقد تكون في هذه العبارة رسالة مفيدة لمريم ومثيلاتها.
إنه يوم بدء دورة "عزيزاتي النساء" في نيروبي، وهي تقام في فندق مغطى بالرخام ومضاء بثريات فاخرة يملكه نائب رئيس كينيا، الذي ابنته صديقة لبورال.
خارج قاعة المؤتمرات في الفندق، توجد لافتة عملاقة وصورة لروبرت بورال بهندام أنيق للغاية. وفي الداخل هناك العشرات من الطاولات بأغطية بيضاء، والكراسي مرتبة بحيث تواجه خشبة مسرح عليها كرسي عرش مخملي كبير.
يحضر فعاليات بورال عادة المئات، لكن الآن، القيود المفروضة بسبب كورونا لا تتيح وجود أكثر من 30 امرأة فقط.
جاءت الحاضرات من أنحاء نيروبي ومن خارجها أيضا، ومن بينهن ماري.
تخبرنا إحدى النساء أنها سافرت لخمس ساعات وفي ثلاث حافلات مختلفة، لتصل إلى المكان في العاشرة صباحا، وهو الموعد المحدد.
تبدأ الجلسات الصباحية مع متحدثين ضيوف آخرين قبل أن يأتي روبرت بورال، ومنهم مدرب تحفيزي ومقدم برامج إذاعية، يتحدث عن التخلص من آثار العنف المنزلي في العلاقة. نساء عدة يأخذن بالبكاء، فضحايا العنف المنزلي كثيرات، وبحسب دراسة استقصائية أجرتها وزارة الصحة عام 2014 فإن 45 في المئة من النساء والفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عاما تعرضن للضرب والعنف الجسدي.
لكن الحالة المزاجية تتغير مع ممثل كوميدي يأتي لاحقا ليضحك الحاضرات على طرائف مواعدة فاشلة. ثم يأتي مستشار تقديم النفس ويطلب منهن إرجاع أكتافهن إلى الوراء والجلوس بشكل مستقيم لأن "لغة الجسد تعكس الثقة بالنفس، وهي تجذب الجميع".
بعد الغداء يأتي بورال، السبب الرئيس لحضور كل تلك النساء، ويصعد إلى المسرح.
يبدأ بورال حديثه قائلا "هذه الندوة للعثور على زوج. إذا استمعت جيدا، يمكنني مساعدتك في العثور على زوج بحلول عيد الميلاد، وإذا لم يكن هذا ما تريدينه، فالرجاء المغادرة". بالطبع لا تغادر أي امرأة، فالأمر سيضعها في موقف محرج.
يقول بورال "أنتن عازبات ليس لغياب الرجال، ولكن بسبب أخطاء ترتكبنها".
ومن هذه الأخطاء حسب بورال ممارسة الجنس في وقت مبكر جدا من العلاقة مع الرجل، وارتدائهن ملابس قصيرة وضيقة للغاية.
كانت ماري تدون ملاحظات طوال اليوم، وتبدو بغاية الاستمتاع.
يتحدث روبرت عن أشياء عديدة منها آداب تناول الطعام، ويسأل البعض عن سبب كونهن عازبات، ويطلب منهم الحديث عن تجاربهن.
في اليوم التالي نلتقي بورال بعد بث جلسة تدريبية له على إحدى المحطات الإذاعية الشهيرة، ويخبرنا بأنه راض عن كيفية سير الدورة، وأنه تلقى الكثير من ردود الفعل الإيجابية. ومع ذلك، لا يسعنا إلا أن نسأله عما إذا كان يؤمن حقا بكافة النصائح التي يقدمها. فبعضها يبدو قديما وقد عفا عليه الزمن. وهل هو يعتقد حقا أن تلك النساء عازبات لأنهن ارتكبن أخطاء؟ أو ليست هناك عوامل أخرى؟
يجيب بورال بثقة "هذا هو الذي ينجح". ويضيف "هل يمكن للمرأة الحصول على زوج من خلال التصرف وفق طبيعتها وانتظار الحظ؟ نعم، بالطبع يمكن ذلك. لكنني أخبرهن بما هو كفيل بتسريع العملية، والسماح لهن بالسيطرة على حياتهن".
وعلى غرار ماثيو هاسي، يؤكد بورال أن جلساته التدريبية تقدم أكثر مما يحمله العنوان الرئيسي، وهو الحصول على زوج. يقول "تأتي السيدة إلى المدرب، معتقدة أنها تريد شيئا معينا، لتكتشف أنه في الواقع شيء آخر".
أما ماري التي كانت على وشك اللقاء مع رجل، قد يكون مجرد صديق لا أكثر كما تقول، فبدت سعيدة بعد حضورها التدريب، نسألها رأيها بنصيحة الامتناع عن ممارسة الجنس في المواعدة إلى أن تتأكد من أن الرجل ملتزم، فتجيب "شعرت أن هذا طراز قديم بعض الشيء. لن أمتثل لذلك".
وتضيف "أهم ما استخلصته من هذا التدريب، هو أن تكون سعيدا. اجعل نفسك سعيدا. أحب نفسك. قبل أن تعطي الحب، امنحه لنفسك بالكامل!". وتضيف ضاحكة "ما زال هناك متسع من الوقت. ما زلت شابة!".
مرت خمسة أشهر على لقائنا بماري، وهي لا تزال عازبة، ولكن يبدو أن شيئا ما قد تغير، إنها امرأة عازبة، لكن سعيدة.