إيلاف من تورتنو: تجربة سينمائية مختلفة قدمتها المخرجة الفلسطينية الفرنسية لينا سوالم من خلال فيلمها الجديد "وداعاً طبريا"، الذي تخوض به تجربة إخراج الأفلام الروائية للمرة الثانية، من خلال قصة والدتها هيام عباس التي غادرت قريتها في فلسطين وهي بأوائل العشرينات من عمرها أملاً في تحقيق حلمها بالتمثيل في أوروبا.
من خلال الفيلم تعود لينا سوالم مع والدتها هيام عباس بعد غياب ثلاث عقود، لنشاهد لقطات عائلية في الأحداث تجمع قصص نساء على مدار أربع عقود، من أجيال مختلفة، وبقصة شديدة التأثر نجحت لينا في التواجد بفيلمها بمهرجاني فينسيا وتورنتو.
تقول سوالم لإيلاف أنه بالرغم من أن والدتها فنانة إلا أنها لم تأخذ قرار فني في الفيلم أو القصة خلال مرحلة التحضير، مشيرة إلى أن فكرة الفيلم نبعت من حبها للأفلام الوثائقية التي تستخدم التأثير والأدوات في سرد الواقع لتفكيرها المستمر في أهمية إبراز المشاعر والأحاسيس على الشاشة.
تشير لينا إلى أنها لتتمكن من تقديم القصة بالصورة التي تراها مناسبة كان عليها العودة بالشخصيات لذكريات وأزمنة وأماكن محددة ومن ثم استخدمت العديد من الصور والفيديوهات من خلال مواقف وأماكن تاريخية حتى يتم تنشيط ذاكرة المشاركين في العمل وليكون العمل فيلماً سينمائياً ولا يتحول للقاء مكون من سؤال وجواب فحسب.
لا تخفي لينا رغبتها في إخراج شيء جاد من والدتها أمام الكاميرا خاصة وأنها كممثلة لديها خبرة في التعامل مع الكاميرا على العكس من شقيقاتها اللاتي ليس لديهن خبرة في التمثيل لكن الفيلم أظهر مواهب لديهم، مع عرض قصص لوالدة جدتها وجدتها لأمها بجانب خالاتها والتي بها العديد من المواقف المؤثرة والتراجيديا أيضاً.
تشير المخرجة الشابة إلى أنه بالرغم من الفقدان والمنفى هناك الكثير من الأشياء الإيجابية والحب والكوميديا في المواقف التي مروا بها وهو ما عملت على إبرازه بالفعل، لافتة إلى أن الصعوبة في التحضير للعمل كانت بدايتها مع والدتها لكونها معتادة على التمثيل بالأفلام الروائية ومن الصعب عليها الحديث عن حياتها الشخصية.
وأضافت أن هذا الأمر استغرق منها بعض الوقت لإقناع والدتها بطريقة السرد عن حياتها الشخصية وبشكل يجعلها تشعر بالراحة، لافتة إلى أن جزءاً من الصعوبة أيضاً كان في دمج المادة الأرشيفية التي جمعتها مع ما جرى تصويره حديثاً خاصة في ظل الوقت الطويل المستغرق في التعديل والإضافة.
تختتم لينا سوالم حديثها عن الفيلم بالإعراب عن سعادتها بالعمل مع عدة نساء موهوبات في فلسطين بجانب الكاتب الفلسطيني كريم قطان والذي ساعدها كثيراً في الكتابة والتفكير في المشروع بطريقة أكثر شاعرية حتى تتمكن من استرجاع أكبر قدر من الذكريات والأحاديث منهن للكشف عن جوانب مختلفة من شخصياتهن.
هيام عباس: تركت نفسي لابنتي كمخرجة ولم اخجل من تقديم جوانب في حياتي
رغم خبرتها الفنية الطويلة إلا أن هيام عباس تركت الجانب الفني بالكامل لابنتها لينا لكونها مخرجة الفيلم بحسب ما تقول لـ"إيلاف" مؤكدة على أن أي قرار فني كان نابعاً من لينا التي اختارت وقررت طريقة التنفيذ مع رؤيتها حول القصة والحبكة التي تحاول من خلالها الربط بين الأجيال الأربعة: "بداية من جدتي لأمي مروراً بأمي ثم أنا وإخواتي وهي في النهاية".
وأضافت أنها وافقت أن تتدخل إبنتها في حياتها الشخصية وذكرياتها مع عائلتها لتقدم الفيلم لكن تركت نفسها بشكل كامل لتقدم شخصيتها فقط كما تعمل مع أي مخرج ومن ثم تركت نفسها خاصة مع إدراكها أنه ليس من السهل الخوض في الحياة الشخصية للإنسان وعرضها على الجمهور كما هي.
وأشارت إلى أن قناعتها الشخصية منذ صغرها بأنها لم تفعل ما يؤخذ عليها، وكل ما قامت به كان من منطلق الحرية التي منحها لها أهلها، فكانت تصرفاتها صادقة ولم تمنع نفسها من الحديث عن أي شيء عاشته مع والدها لذا كان الصدق بمثابة طريقة صحيحة في الحياة التي عاشتها ونشأت بها مؤكدة على قناعتها بأن التعامل بصدق جعلها تخطو خطوات سليمة ومنضبطة حتى وإن كانت ضد العادات والتقاليد، لأن الإنسان عندما يؤمن بشئ يدافع عنه للنهاية وإما أن تمر فكرته أو ينكسر.
ولفتت إلى أنها لم تشعر بأن هناك مشكلة لديها في مشاركة الجمهور لهذه الأشياء الشخصية والذاتية من خلال الفيلم، لأن لديها إحساس كممثلة بأن الناس تشاهدها دائماً وبالتالي هم جزء منها وليسوا تابعين لها، وجزء بالفعل من حياة الفنان متاح للعالم لذا لم تتوقف عند هذا الأمر.
تضيف عباس أن التوثيق لحياتهم جاء من أول مرة عادت فيها إلى قريتها في التسعينات برفقة لينا ابنتها وكانت طفلة حيث عمل والدها على توثيق تواجدهم لحبه التصوير ورغبته في أن يصور الأجواء التي يعيشها مع ابنته في فلسطين وهي أجواء جديدة ومختلفة ومن هنا بدأ التصوير للتوثيق يزداد مع كل زيارة، فالهدف كان بالبداية توثيق أشياء ذاتية ولم يكن الغرض منها التصوير لاستخدامها في عمل سينمائي.
وأضافت أن الفكرة نبعت من لينا عندما علمت بتواجد العديد من الصور والفيديوهات في مراحل مختلفة وأرادات أن تراها عندما كبرت بنظرة المرأة الواعية والمسؤولة عن اختياراتها وبالتالي انطلقت لتستخدم هذا الجزء في الفيلم الوثائقي الذي شاهده الجمهور.
تتختم هيام عباس حديثها بالتأكيد على أنه بالرغم من طول الفترة التي قضتها وعملت بها في الخارج إلا أن مشاركتها في أفلام فلسطينية وعربية عبرت عن ارتباطها مع العالم العربي خاصة وأن الغربة لم تمنعها من العودة إلى مسقط رأسها.