معاناتنا وواقعنا الحياتي في موريتانيا لا يختلفان كثيراً عن حال أشقائنا في المشرق العربي أو في إيران. قد تتعدد أسباب وأشكال المعاناة، لكنها، أي المعاناة، تبقى قائمة ومؤلمة، وتبعاتها أكثر إيلاماً عندما تطول مدتها وتترسخ جيلاً بعد جيل. حينها يتم التطبيع مع الخطيئة التي ستتحول إلى أمر طبيعي، ويتحول الباطل إلى أمر واقع يمكن التعايش معه، أو لا بد من التعايش معه إذا كانت الأغلبية بين مرحب ومتعايش ومضطر.
لا تزال آثار وتبعات العبودية والفئوية وتغييب الآخر واستغلال حاله في موريتانيا قائمة. نعم لدينا بعض التطور السياسي السطحي القائم كشكليات الموقف المتطلب للمرحلة السياسية الحالية، لكن هذا التطور الجزئي أو الشكلي يقوم أيضاً على تغليب واقع خاطئ على الحقائق وعلى حساب المستضعفين الفقراء الذين يمثلون أغلبية سكانية في موريتانيا. وبسبب التطبيع مع الخطيئة يتم التعايش مع ما هو قائم دورة بعد أخرى، مما يؤدي إلى تفاقم معاناة الموريتانيين، حتى أصبحت تلك الأغلبية مغلوبة على أمرها وصامتة، تساهم بصمتها في تعزيز وتعظيم موقف الطبقية والعنصرية في البلاد.
كلما خطونا خطوتين للأمام على صعيد الإصلاح الوطني، وثبت الرأسمالية العنصرية على صدورنا وسلبتنا خطانا وتضحياتنا لنعود بعدها إلى المربع صفر. ونعزو ذلك إلى ضعف المسيرة النضالية للمرأة الموريتانية.
أياً تكن المعاناة والمحن، سواء في موريتانيا أو في الشرق الأوسط، فإنهما بالمحصلة نتاج فساد قد يبدأ سياسياً وينتهي اجتماعياً واقتصادياً. وما دفع إلى جحيم معاناة الشعب والمرأة في العراق وسوريا هو الفساد والقوى الاستعمارية وتراجع دور المرأة. كذلك هو حال المرأة في اليمن، خاصة بعد زوال مدرسة اليمن الجنوبي النضالية، وفي فلسطين، التي من المفترض أن يكون نضال المرأة فيها في أفضل مراحله لكنه تراجع بسبب الفساد وقسوة المحنة وسطوة القوى الاستعمارية.
قاسم مشترك بين معاناة المرأة العراقية والسورية واليمنية والفلسطينية واللبنانية، وهو التدخل الفج للنظام الإيراني في الشؤون الداخلية لتلك الدول. فالنظام الإيراني يعمل على نشر نسخته السياسية والفتن والتطرف فيها واستهداف سيادتها، مما أدى إلى الحروب الداخلية التي شردت الملايين وخلفت معاناة تفوق قدرات تلك المجتمعات، وأدت إلى إنهاك المرأة وإضعاف دورها. هذا التدخل يحول دون نمو دور المرأة. الواقع المعاش في تلك الدول حقيقة جلية قائمة تعبر عن نفسها ولم تعد تقبل أي نوع من المكابرة.
واقع المرأة الإيرانية داخل إيران يعد الأشد بؤساً وجحيماً في ظل النظام التعسفي القائم، الذي يتعامل بالحديد والنار ومقاصل الإعدامات مع أي نهضة للمرأة. السجل التاريخي الأسود لنهج الإعدامات وقبح السجون في إيران شاهد على ذلك، وآخرها إعدام المئات من الإيرانيين خلال مئة يوم من تنصيب الرئيس الجديد بحجة الإخلال بالأمن. بمعنى أن من يناضل من أجل الحق والعدل سيجد تهمة الإخلال بالأمن تهمة سهلة جاهزة من قبل الأنظمة الفاسدة التي لا تحترم القيم الشرعية والإنسانية، كما لا تحترم القضاء الذي أقرته.
إقرأ أيضاً: المرأة والأنظمة الاستبدادية: إيران نموذجاً
لكنَّ الفارق بين المرأة الإيرانية والمرأة في موريتانيا وسوريا والعراق واليمن ولبنان وفلسطين هو تطور المسيرة النضالية للمرأة الإيرانية، خاصة في ظل قيادة المرأة المناضلة مريم رجوي للمقاومة الإيرانية وكبرى منظماتها، منظمة مجاهدي خلق، التي تعمل وحدات المقاومة التابعة لها داخل إيران على تعزيز الدور النضالي للمرأة الإيرانية. فقد كانت ولا زالت تقود الحراك الجماهيري الرافض للنظام.
نعم، لا تعاني المرأة في بلداننا، سواء في المشرق العربي أو في مغربه، من القمع والتعسف بخصوص ملبسها وحجابها كما تعاني النساء الإيرانيات بسبب الحجاب الإجباري. يستخدم النظام في إيران هذه القضية كوسيلة وذريعة تحت مسمى الدين، ليس بقصد إقامة الدين الذي يأمر بالعدل والإنصاف وينهى عن البغي والإكراه، وإنما لأجل السلطة.
التشريع في إيران لفرض الحجاب الإجباري بالإكراه واجه قمعاً شديداً وهتكاً بالأعراض، ولقيت بعض النساء حتفهن بسبب ذلك، فيما يقبع البعض الآخر في ظلمات السجون. لا تستهدف هذه السياسة نساء إيران فحسب، بل المجتمع بأسره، وقد قوبلت بالرفض والاحتجاج لعقود. وعلى الرغم من القمع الشديد، فإن نضال النساء الإيرانيات ضد الحجاب الإجباري وتعسف النظام يبرز إرادة جادة للحصول على الحقوق والحريات الأساسية في البلاد.
إقرأ أيضاً: المرأة وواقعها في المجتمع الموريتاني
لم يقتصر نضال المرأة الإيرانية على مقاومة الحجاب بالإكراه، فهناك سجينات سياسيات إيرانيات يقبعن في السجون لأنهن طالبن بمجرد تبرير إعدام ذويهن. السجينة السياسية الإيرانية مريم أكبري منفرد نموذج فريد على ذلك، حيث تتحدى النظام من داخل السجن.
بالمقارنة بين نضال المرأة في دولنا المذكورة في هذا المقال ونضال المرأة الإيرانية، الهوة شاسعة بين الحالتين. يعزز دور المرأة الإيرانية في نضالها ما قدمته من تضحيات. هذه دعوة للمرأة المناضلة في موريتانيا، والمرأة في سوريا والعراق ولبنان واليمن وفلسطين، لتقف بثبات من أجل حقوقها وحقوق أبنائها. وما حدث من فساد وحروب وفتن وتشريد في هذه الدول بسبب تفاقم أزماتها قد يحدث في موريتانيا وفي دول أخرى في ظل الصمت والتغاضي والتطبيع مع أزماتنا.