: آخر تحديث

تساؤلات حول مصداقية المحكمة الاتحادية

35
27
32

أثارت القرارات التي صدرت عن المحكمة الاتحادية خلال السنتين الماضيتين ارتياحاً شعبياً من حيث وجود سلطة قضائية عليا تسهر وتعمل على تصحيح القوانين والقرارات التي تتعارض مع روح الدستور العراقي وتعيدها إلى مسارها الدستوري الصحيح. وكانت القرارات الخاصة بإقليم كردستان قد أثارت بدورها ارتياحاً عاماً لدى الشعب الكردي، الذي ابتلي بسلطة غاشمة وفاسدة لا تقيم أيّ وزن للقوانين وللدستور العراقي. فمن وقف تصدير النفط المهرب إلى حل البرلمان المنتهي ولايته وإلغاء مجالس المحافظات وصولاً إلى توطين رواتب الموظفين وإنهاء معاناتهم مع الرواتب التي تسرقها حكومة الإقليم من جيوبهم، كانت هذه القرارات تتطابق تماماً مع روح الدستور الذي أقرّ لحماية المواطن من الظلم والإجحاف ومن تجاوزات السلطة على القوانين.

ولكن، مع كل الاحترام والتقدير لهذه المحكمة التي تعد أعلى سلطة قضائية في البلاد وقراراتها باتة وملزمة لكافة السلطات، أعتقد أنَّ هذه المحكمة ارتكبت بقرارها الأخير وقف انتخابات برلمان كردستان بناء على طلب من رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني، نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، خطأ فادحاً ينبغي أن لا يمرّ على السادة القضاة في المحكمة، لأنَّ هذا القرار يثير الشك والارتياب حول مصداقية ونزاهة المحكمة الاتحادية العليا في العراق.

هناك الكثير من الوقائع التي رافقت صدور ذلك القرار ينبغي الوقوف عندها. أولها أسباب صدور هذا القرار في مثل هذا الوقت الحرج من عملية انتخابات برلمان كردستان، حيث لم يتبق أمام إجراءات واستحضارات مفوضية الانتخابات سوى أيام معدودة لبدء الحملة الانتخابية وانتهاء جميع إجراءات التسجيل للقوائم الانتخابية. فالقرار جاء قبل أربعة أيام فقط من بدء الحملة الانتخابية!

ثانياً، هناك شكوك متزايدة حول كون المحكمة قد تعرضت إلى ضغوطات سياسية من قبل بعض الأطراف المحلية والإقليمية، بدليل أنَّ صدور القرار جاء إثر زيارات مكوكية قام بها نيجيرفان بارزاني لكل من بغداد وطهران واجتماعه بكبار قادة الدولتين لإقناعهم بتأجيل الانتخابات التي يرغب بها حزبه المقاطع أساساً لتلك الانتخابات!

ثالثاً، فيما يتعلق بنص قرار المحكمة، هناك عدة تساؤلات تثار من خلال قراءة النص. فالقرار الجديد يلغي قرارات سابقة للمحكمة بإلغاء الكوتا المسيحية والتركمانية، ويعيد تقسيم المقاعد وفقاً للنسبة السكانية وليس وفقاً لعدد الناخبين، والسؤال الذي يطرح أمامنا هو: بما أنَّ قرارات المحكمة الاتحادية هي وفقاً للدستور باتة وملزمة لجميع السلطات في العراق، فكيف تتراجع المحكمة عن قرار سابق لها وهو ملزم وبات؟

إقرأ أيضاً: حرب عالمية من أجل توطين الرواتب

السؤال الثاني هو، تتشكل المحكمة الاتحادية من تسعة أعضاء من خيرة العقول القانونية في العراق، فكيف لم ينتبه أحد منهم بأنَّ قرار المحكمة السابق لا يتسق مع روح الدستور الذي يقر حق المكونات في التمثيل البرلماني؟ ثم لماذا لم تتدخل المحكمة الاتحادية خلال ثلاثة أشهر من صدور قرارها الأول بتقسيم المقاعد البرلمانية وفقاً للنسبة السكانية بدل عدد الناخبين، لتبلغ المفوضية العليا للانتخابات بتصحيح هذا الوضع، وتتنبه بعد أربعة أشهر من صدور قرارها بحصول خطأ في فهم المفوضية لمسألة توزيع المقاعد؟!

كما أشرت سابقاً، فإننا نحترم ونقدر الدور الكبير للمحكمة الاتحادية في تصحيح المسارات القانونية بما يتطابق مع روح الدستور، ولكن يبدو أنه حتى قرارات تلك المحكمة باتت تتأثر بتدخلات القيادات السياسية وبالصفقات التي تعقد في الغرف المظلمة، وهذا ما يفقد مصداقية ونزاهة هذه المحكمة العليا التي نعتبرها رمزاً شامخاً للقضاء المستقل الذي يؤكد الدستور أنه لا سلطان على القضاء في العراق.

إقرأ أيضاً: محنة حزب البارزاني

لقد كانت المحكمة الاتحادية هي التي حلت برلمان إقليم كردستان، وهي تعرف جيداً أنَّ الإقليم يمر الآن بفراغ قانوني، وأنَّ حكومة الإقليم تحولت إلى حكومة تصريف أعمال، وفوق كل ذلك، فإنَّ الانتخابات هي استحقاق دستوري، وقد تم تأجيلها لأربع مرات من قبل رئيس الإقليم، مما حرم المواطن الكردستاني من التمتع بحقه الديمقراطي في انتخاب ممثليه، ما يتعارض تماماً مع روح الدستور ونصوصه التي تعد المحكمة الاتحادية هي الوصي والمسؤول عن ضمان تطبيقها. ألم يكن من الأجدر بالمحكمة الاتحادية أن تؤكد على سلطات الإقليم بإجراء تلك الانتخابات المؤجلة دون تأخير، بدل دفع العملية السياسية في كردستان إلى نفق مظلم بسبب عناد حزب واحد لا يتجرأ على خوض تلك الانتخابات بسبب أخطائه الفادحة بحق شعب كردستان؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.