وفق التقديرات الاستشرافية لحدث غزة وما بعده، في ما يخص إيران، يبدو أن المعطيات تسير تحت أفقه تماماً. وثمة سلسلة أحداثٍ وتطوراتٍ تدل على اتجاه حلف التخادم الوظيفي - بين طهران وأذرعها في العالم العربي وفي مقدمها نظام الأسد في دمشق - إلى حتفه، وتفكيك منظومة التخادم او شل قدراتها قد بدأ، وفي ما يلي أبرز المعطيات، ولا سيما المستجد منها:
1- ضربة كبيرة جدًا لمخازن استراتيجية للسلاح الحوثي نفذتها إسرائيل، وربما سيتبعها الكثير، بجانب القصف اليومي باتجاه منظومة الأسد بذريعة تعكير الماء للذئب.
2- البوارج الاميركية والبريطانية التي تتراكم في المنطقة.
3- وصول حاملة طائرات فرنسية إلى البحر المتوسط، وكذلك وصول سفينة قيادة الأسطول السادس الأميركي.
4- جارٍ الآن تقييم استخباراتي وسياسي لمعلومات وصلت للكيان الإسرائيلي عن عملية غزة قبل وقت طويل من وقوعها، وتم تجاهلها أو عدم التعاطي جدياً معها؛ وهذه احدى الثغرات الأمنية التي عطّلت العقيدة الاستباقية.
5- تزايد كبير في شعبية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، المتماهي مع تصفية حماس، وداعم الاستئصال، وصاحب الاتجاه التصادمي مع المنظومة، بدعم يهودي، مع تقديرات بأنه يتجاوز اليوم الرئيس جو بايدن بمراحل وفق أحدث استطلاعات الرأي الأميركية.
6- تجميد صفقة الإفراج عن المليارات لإيران، وهذا بينما تعود جماهير ايرانية واسعة إلى التحرك بزخم ضد فساد الحرس الثوري.
7- وفق مصادر متقاطعة، فإن ضرب المفاعل الإيراني "على الطريق"، واستهداف قيادات حزب الله كذلك، والآن يزداد التركيز على قدرات الحوثي... الذراع الأقرب.
8- لا يوجد أي ثمن تقدّمه المنظومة يعادل، أو يتقدّم على، اعتبار أن ثمة تراكماً قدراتياً يرقى إلى تهديد وجودي أصاب إسرائيل بشدة من أضعف أذرع المنظومة.
9- كل المقترحات حول مستقبل حماس تتراوح بين خروج نهائي آمن لها لبلد ثالث يشبه 82، أو استئصال ميداني.
أما في ما يتعلق بنظام دمشق فأمامنا المعطيات التالية:
1- الاستراتيجية التخادمية بين طهران ودمشق، التي غضّت إسرائيل الطرف عنها طالما ظلت لا تمسّها، قد أذتها أخيراً في الصميم... وهذا أمر ما عاد يُغتَفَر.
2- لم يعفِ منظومة التخادم الوظيفية تصريح "براءة ذمة" أو مسافة آمنة من عملية غزة.
3- يجري راهناً نقل سلاح متطور مع منظومات دفاع جوي لتنظيم "قسد" (قوات سوريا الديمقراطية) في مناطق شرق الفرات.
4- تتجه تركيا الآن باتجاه توحيد كل الفصائل العسكرية للمعارضة بجيش واحد، بينما التطبيع متوقف مع النظام الأسدي... المطلوب رأسه بمذكرة دولية جنائية.
5 - نظام الأسد عالق في تقاطع حساباته بعد غزة؛ فهو من ناحية، لا يستطيع تغيير التوجه بعيدًا عن إيران وحزب الله، ذراعها في سوريا والداعم اللوجستي العسكري والاقتصادي للنظام، إذ يعتبر تمددهما ضماناً ليس فقط تجاه قوى المعارضة بل تجاه روسيا؛ ومن ناحية ثانية لا يستطيع الابتعاد عن روسيا التي قد تقدمه قرباناً وفق صفقة، اذا تطلبت مصالح فلاديمير بوتين المفاضلة بين رأس نظام دمشق المتهالك والمطلوب دوليًا اليوم، وبين النظام نفسه منخرطاً بحل سياسي بلا الأسد.
6 - إيران هنا ضامن لاستمرار الأسد؛ وهو يريد أن ينفذ من فخ غزة وحصادها. غير أنه لا يستطيع دفع أهم ثمن، وهو الابتعاد عن إيران ومنظومتها. ولذلك، آيس العرب من توجهه بعيداً عنهم.
7 - الآن بعد غزة، انخفضت جدًا قيمة نظام دمشق السياسية الاستراتيجية؛ وبخاصة، أن مذكرة اعتقال أوروبية تلاحقه من إحدى اهم الدول الأوروبية، وهي فرنسا، برمزيتها الانتدابية وعلاقاتها الوثيقة السابقة. وهذا واقع يُحسَب في أي سياسة خليجية او عربية تجاهه.
وكهذا، بناءً عليه، الأسد متهالك عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، ولم يعد له من مخرج، حتى ولو خَرَج مستسلماً علناً.