وأنا أنتهي من متابعة لقاء أجرته فضائية "أفق" الايرانية في 12 من الشهر الجاري، مع محلل سياسي إيراني يدعى "أحمد قديري آبيانە" بخصوص الحرب الدائرة في غزة، وجعله لـ "الامداد الغيبي" مربط الفرس وأساس اللقاء کله، تذکرت أيام الحرب العراقية الايرانية التي شارکت فيها شخصيا وکيف کان يقوم نظام الملالي بإستغلال العامل الديني من أجل شحن عقول آلاف الاطفال والمراهقين وسوقهم نحو جبهات الحرب ليسيروا على حقول الالغام!
والانکى من ذلك إنني عندما وقعت في الاسر خاطبني ضابط برتبة ملازم قائلا: هل إستسلمت لأنك رأيت الملائکة وهم يقاتلون الى جانب جيشنا؟ والرابط بين ماکان أيام الحرب ضد العراق والوقت الحاضر هو الامداد الغيبي الذي کان يقوم النظام بإستخدامه بصورة ملفتة للنظر.
هذه المقابلة وماطرح فيها من أمور ومواضيع متباينة، کان من الواضح جدا إن هذا المحلل الذي کما يبدو تم إختياره بعناية فائقة، يتحدث بطريقة تسعى من أجل خدمة التکتيك التي أعلنها لحد الان هذا النظام بشأن الحرب في غزة والإيحاء بأنها إندلعت دون علم أو تأثير أو توجيه منه، ولکن الذي لفت نظري وهو إن المحلل السياسي المذکور قال في بداية اللقاء ردا على سٶال عن مشروع أمني مضاد تنتهجه اسرائيل، فقال حرفيا:" ولكي نعرف أبعاد وأهمية عاصفة الأقصى وتأثيرها على إيران والمنطقة، لا بد من العودة إلى عام 2022، وتحديدا من 15 سبتمبر2022 فصاعدا، حدث مهم وقع في البلاد وغير مسبوق من حيث حجم الرعب الداعشي من قبل أفراد يحملون لحد الان هويات إيرانية، كان ذلك بناء على ما رأيناه ولاحظناه في ذلك الوقت، شعرنا، وتبلور لاحقا في البيان المشترك لوزارة الاستخبارات واستخبارات الحرس الثوري الإيراني، أن النظام الصهيوني والولايات المتحدة، وفي الواقع لقد خطط الموساد ووكالة الاستخبارات المركزية، إلى جانب العديد من الأجهزة الأمنية الأخرى، للمشروع. "، وهو هنا يتحدث عن الانتفاضة الشعبية التي إندلعت بعد مقتل الشابة الکردية"جينا أميني"، طيب ونحن إذا ماعلمنا بأن النظام ورجله الاهم في المنطقة حسن نصرالله قد أعلنوا بأن قرار شن حماس لهجومها کان قرارا فلسطينيا 100%، إذن "ماعدا مما بدا؟" أو کما يقول المثل العراقي التهکمي"شجاب عمشة على جيمس"، أي مالذي جاء بعائشة على جيمس؟ لماذا يتم ذکر هذه الانتفاضة تحديدا وجعلها أساسا للإنطلاق في تناول موضوع الحرب في غزة إن لم يکن الامر کذلك فعلا ولم تکن هذه الانتفاضة بما حوته وتحويه من آثار وتداعيات عميقة في داخل النظام هي التي أجبرت النظام على إشعال هذه الحرب؟
قد يعارض البعض بأن مايعبر عنه أحمد قديري آبيانە، موضوع يمثل رأيه الشخصي ولاعلاقة لها بالموقف الرسمي للنظام، ولکن أقول لهذا البعض بأن الاعلام في الأنظمة الشمولية بصورة عامة يخضع للإشراف الدقيق من قبل رقابة هذه الأنظمة، وليس في وسع أحد أن يتفوه بکلمة واحدة خارج ماهو محدد ومسموح به سلفا وبشکل خاص في المواضيع والامور الحساسة المرتبطة بأمن وإستقرار هذه الانظمة، فهل ياترى يعقل أن يتم تقديم هکذا مقابلة عن هکذا موضوع بالغة الاهمية بالنسبة للنظام من دون علمه وإرشاده خصوصا إذا ماتذکرنا بأنه حتى خطب الجمعة يتم إملائها على رجال الدين في سائر أرجاء إيران، فکيف الحال مع هکذا برنامج يتصد لأهم موضوع لدى النظام؟!
لکن الملاحظة المهمة جدا هنا، هو إن هذا المحلل قد ربط إنتفاضة 16 سبتمبر 2022، التي دامت لأشهر عديدة بإسرائيل والولايات المتحدة وأجهزة إستخبارية أخرى، ووصف الشعب الايراني المشارك فيها بممن يحملون هويات إيرانية! وحتى لم يتطرق الى وحدات المقاومة التابعة لمجاهدي خلق والتي شارکت في هذه الانتفاضة بصورة فعالة ومن إن لها الدور في إدامتها وإستمرارها، کما إنه أيضا أشار الى إنه کان من المزمع"حرمان إيران من حقها في التصويت في مختلف المنظمات على نطاق واسع وعلى المستوى الدبلوماسي وفضاء المنظمات الدولية. يتعين عليهم أن يطردوا إيران، وأن يسمحوا للأجواء الإعلامية المسمومة بالانتشار إلى الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات، وأن يطردوا الدبلوماسيين الإيرانيين. حتى أنهم أعطوا مفاتيح السفارات الإيرانية للمعارضة"، ونذکر هنا بأن مجاهدي خلق من طالبت بطرد سفراء النظام وسحب الاعتراف به من جانب بلدان العالم، لکن المهم هنا إن المحلل بعد الاستعراض المطول الذي ذکرنا بعضا منه يضيف قائلا:" طوفان الأقصى.. كانت مساعدة غيبية لأنه کان مشروع.. أوقف تکرار 1401 ( یقصد الإنتفاضة عام 1401 الشمسي الإيراني والذي یعادل 2022 ميلادي) وكانت هذه مساعدة كبيرة.. بحیث توقفت المساعدة الغيبية من هذا المسار والعملية وكانت لصالح إيران تماما"! ، هذا الاستنتاج الذي يتوصل إليه المحلل السياسي هذا هو في حد ذاته إعتراف واضح بحجم ومستوى الرفض والمواجهة الشعبية ضد النظام ومن إن طوفان الاقصى قد جاء لوضع حد نهائي لذلك أي للإنتفاضة الشعبية! وهذا يدل وبصورة واضحا الى أي مدى کانت قد أثرت هذه الانتفاضة على النظام وکيف إن تأثيراتها وتداعياتها باقية لحد 7 أکتوبر2023، حيث تأريخ شن حرکة حماس لهجومها وکيف إن هذا الاعتراف بحد ذاته يعکس حقيقة مهمة وملفتة للنظر من حيث تورط النظام الايراني في هذه الحرب من ومن إنه إثارها من أجل إستخدامها لتخفيف الضغط الداخلي المسلط عليه، لکن الاهم من کل ذلك عندما يشير هذا المحلل وبصورة واضحة جدا بأن هجمة حرکة حماس جاءت کرد على إنتفاضة 16 سبتمبر2022! وفي هذا الاعتراف مايميط اللثام تماما عن الدور الاساسي لملالي إيران في الاعداد لهذه الحرب والإيعاز بتنفيذها.
بطبيعة الحال فإن مايذکره هذا المحلل بشأن"الامداد الغيبي"المزعوم، هو مجرد هراء لأن هجوم حرکة حماس کان قد تم التخطيط له مسبقا بعلم ودراية تامة من جانب"قائد وموجه" جبهة المقاومة والممانعة، بل وحتى أميل أکثر الى الاعتقاد أن إسرائيل بنفسها کانت تعلم بهذا الهجوم ولکن تجاهلته عن قصد من أجل أن تحسم موضوع حرکة حماس التي أصبحت بالنسبة لها بمثابة سکينة خاصرة، وإن السعي لتصوير هذه الهجمة بالامداد الغيبي هو أمر يبعث على السخرية والاستهزاء خصوصا إذا ماتذکرنا إن الشعب الايراني يتندر ليس حاليا فقط وإنما منذ سنين طويلة بمصطلحات ومفاهيم النظام ذات الصبغة الدينية ومنها"الامداد الغيبي"، ومشارکة الملائکة في القتال الى جانب الجيش أو الحرس الثوري الايراني، لکن النظام الذي يحاول من خلال هکذا مزاعم الى جانب إستغفال العقول ومصادرتها، التغطية على حقيقة الدافع الاساسي من وراء إثارة الحرب في غزة، ولئن کان أحد أهداف النظام من وراء إثارة هذه الحرب إيقاف المساعي الجادة من أجل إستتباب السلام والامن في المنطقة، لکن الهدف الرئيسي کان ولايزال هو الوضع الداخلي الذي هو أشبه ببرکان يغلي وقد ينفجر بوجهه في أية لحظة.