هل إن الشعب الايراني يقبل بالنظام القائم ومقتنع به؟ سٶال قد يکون للبعض من الذين ليس لهم إلمام ودراية وعلم وإطلاع کاف بالاوضاع في إيران، بمثابة نفق طويل من الصعب إيجاد نهايته، ولبعض آخر، ميدان وساحة للتأويل والافتراض، ولمن هو في الصورة وله معايشة صميمية مع الواقع الايراني منذ قيام هذا النظام، رأي عملي وواقعي مستمد من أحداث وتطورات وقعت على مر الـ 44 عاما المنصرمة.
أکثر ما يريده النظام ويسعى إليه بالنسبة للأوضاع القائمة في إيران، هو أن يکون هناك رأيين بصددها، الرأي الاول؛ هو کما يعکسه النظام على لسان قادته وفي وسائل إعلامه. والرأي الثاني؛ أن يجعل الاوضاع في إيران تسير بإتجاهات يغلب عليها الضبابية وعدم الوضوح وإن ليس هناك من أي أمل ومستقبل لمعاداة ومواجهة هذا النظام والسعي من أجل تغييره.
ابراهيم رئيسي عندما يصف من على منصة الامم المتحدة إنتفاضة 16 سبتمبر 2022، بقوله: "في العام الماضي كانت الأمة الإيرانية هدفا لأكبر هجوم إعلامي وأصبحت الحرب النفسية تاريخا"، وفي هذا الوصف إشارة أکثر من واضحة لتخوين الشعب والتشکيك في إنتفاضته، وهذا الکلام بطبيعة الحال يتطابق تماما مع الرأي الثاني بالنسبة للأوضاع في إيران والذي ذکرناه آنفا، إذ أن رئيسي يقوم هنا بسلب الشعب الايراني إرادته الحرة ويصور ما قد عبر عنه خلال أشهر من إنه کان مجرد مسرحية أمريکية، مسرحية ممثلها الرئيسي الشعب الايراني!
رئيسي الذي لا يوجد هناك من سياسي أو اعلامي في العالم لا يعرف شيئا عن ماضيه، أيام کان عضوا في لجنة الموت الرباعية الخاصة بتنفيذ مجزرة إبادة آلاف السجناء السياسيين في صيف عام 1988، والتي إعتبرتها العديد من المنظمات الحقوقية بمثابة جريمة ضد الانسانية، رئيسي هذا، يعود بنفسه ومن على منصة الامم المتحدة ليلقي دروسا في الجرائم ضد الانسانية ويجد تعريفات جديدة لها، والانکى من ذلك، إنه يذهب أبعد من ذلك عندما يطالب بلدان العالم بأن يلاحقوا بقية رفاق السجناء السياسيين الذين شارك بإبادتهم في صيف عام 1988، وهذا تماما ما يتماشى مع الرأي الذي يريد النظام أن يصوره بالنسبة للأوضاع في إيران.
عندما يکون الانسان على حق فمن حقه الطبيعي أن يرفع صوته عاليا، ولکن کيف إذا کان الانسان على باطل وکان کاذبا ومخادعا ومحرفا ومزيفا للحقائق کما نرى الامر مع ابراهيم رئيسي في خطابه الاخير بالامم المتحدة؟ وأتذکر هنا إجتماعا لمجلس الشعب المصري في العقد السابع من الالفية الماضية کان الرئيس المصري الراحل أنور السادات حاضرا فيه وکان يبث على الهواء، حيث نهض أحد النواب وهتف بشعارات منددة بالسادات وبإتفاقيات کامب ديفيد، يومها رد السادت على هذا النائب بعد أن أفرغ ما بجعبته، قائلا: "أنا علمتکم الصراحة بس مش الوقاحة"، وحقا أجدا ما قاله السادات ينطبق تماما على خطاب ابراهيم رئيسي في الامم المتحدة!