لوس انجليس: يُتوقع أن تكون المنافسة شرسة خلال حفلة توزيع جوائز "غرامي" الأحد على لقب أفضل فنان جديد هذه السنة. ولكن أياً كان الفائز، سيكون بروزه مرتبطاً على الأرجح بتيك توك، إذ بات للشبكة دور أساسي في اكتشاف المواهب الموسيقية الجديدة.
فالمنصة التي تحظى بشعبية كبيرة في صفوف المراهقين والتي يمكن لمستخدميها إرفاق مقاطع الفيديو القصيرة فيها بأي موسيقى يختارونها، باتت تشكل لعدد كبير من المغنين والموسيقيين وسيلة للبروز.
وبدا واضحاً أن جوائز "غرامي"، وهي في مجال الموسيقى بمنزلة الأوسكار سينمائياً، أخذت هذا الواقع الجديد في الاعتبار، إذ أن الترشيحات ضمن فئة أفضل فنان جديد فيها تشكل انعكاساً للخيارات الموسيقية لمستخدمي الإنترنت.
ولاحظت المحللة في شركة "ميديا" للأبحاث تاتيانا سيريسانو في تصريح لوكالة فرانس برس أن "الشبكات الاجتماعية جعلت الصناعة الموسيقية أكثر استجابة لذوق الجمهور، بدلاً من السعي إلى فرض نجوم المرحلة".
وهذه الظاهرة ليست جديدة في الحقيقة، إذ أن جاستن بيبر برز من خلال "يوتيوب"، في حين اشتهر شون مينديز افضل تطبيق "فاين" (Vine) الذي لم يعد موجوداً اليوم.
إلا أن سيريسانو رأت أن "تيك توك شهد ازدهاراً كبيراً" في السنوات الأخيرة، ما حوّله "جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية كل فنان تقريباً".
وشكّل فوز المغنية أوليفيا رودريغو ومغنية الراب ميغن ذي ستاليون بآخر جائزتي غرامي لفنان جديد مؤشراً لا لبس فيه إلى ما لتيك توك من أهمية، إذ شقّتا طريقهما من خلال نجاحهما الباهر على التطبيق.
وتضم لائحة المرشحين في هذه الفئة سنة 2023 كلاً من الأميركيتين لاتو وماني لونغ ومواطنهما عمر أبولو الذين وصفهم التطبيق الصيني بأنهم من بين أفضل الفنانين الناشئين على منصته.
كذلك تُنافس على الجائزة البرازيلية أنيتا التي اكتسبت شهرة واسعة عبر تيك توك بفضل تحدي الرقص على أغنيتها "إنفولفر" (Envolver)، وفرقة الروك الإيطالية مونيسكين الفائزة بمسابقة يوروفيجن عام 2021، و التي حصدت أغنيتها "بِغين" (Beggin) نجاحاً واسعاً على التطبيق.
وفي القائمة مرشحون آخرون يتمتعون هم أيضاً بعدد كبير من المتابعين عبر تيك توك، على غرار فرقة الروك "ويت ليغ" وثنائي الجاز "جيه دي بيك" ومغني الراب توبي نويغوي، مغنية البلو غراس مولي تاتل ومغنية الجاز سامارا جوي.
وقالت سامارا جوي لإذاعة "إن بي آر" تعليقاً على بلوغ عدد متابعيها المئة ألف على تيك توك بعد شهر واحد من انضمامها إللى الشبكة "إنه المكان الذي يوجد فيه جيلي". وأضافت "يقول لي الناس +لقد رأيناك على تيك توك، وكان عليّ أن أحضر لمشاهدة عرض لك".
وقلّما تُمنح معظم جوائز غرامي، استناداً على النجاح التجاري للفنان أو على حجم قاعدة المعجبين به. لكنّ المعيار الرئيسي بالنسبة إلى فئة أفضل فنان جديد هو القدرة على جذب الجمهور العريض.
وهذه الجائزة هي تالياً تلك التي "يؤدي فيها الناس أكبر أكبر دور" بحسب سيريسانو التي لاحظت أن "90 في المئة من الفنانين الذين يتمكنون من تحقيق الشهرة، يكتسبونها من خلال تيك توك".
ووصفت مؤسِسة شركة التسويق الرقمي "كراود سورف" كاسي بيتري تيك توك بـ"إم تي في (MTV) الجديدة"، في إشارة إلى المحطة التلفزيونية الأميركية المتخصصة بالموسيقى التي كانت الأغنيات المصّورة للمتنافسين على لقب أفضل فنان جديد تُعرض عبر شاشاتها خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، على ما أوضحت. ولاحظت أن تيك توك هي "إحدى المنصات الإعلامية الجماهيرية في هذا العصر".
وشرحت سيريسانو أن التطبيق فرض كذلك تغييراً في الطريقة التي ترصد بها شركات الإنتاج الموسيقي الفنانين الذين يمكن أن تراهن عليهم،إذ عوضاً عن إرسال الكشّافين أو صيادي المواهب إلى القاعات الصغيرة، باتت شركات الإنتاج تتوقع أن يكون لدى الفنانين "جمهور أصلاً" وأن يكونوا "تمكنوا من تحقيق بعض الشهرة بمفردهم".
وساهم ذلك في جعل الصناعة الموسيقية متاحة أمام الجميع، وفي جعل البروز فيها في المتناول، خلافاً لما كان عليه الوضع سابقاً.
لكنّ بعض الفنانين يشتكون من تأثير شبكات التواصل الاجتماعي على صحتهم النفسية، أو يخشون أن يخصصوا لها وقتاً أطول من ذلك الذي يخصصونه لفنهم الفعلي.
ويتخوف البعض الآخر من توجّه بعض الملحنين والمغنين الذين بدأوا يفصّلون أغنياتهم وموسيقاهم على قياس متطلبات عالم تيك توك القائم على الخوارزميات ومقاطع الفيديو التي لا تتعدى مدتها بضع ثوان.
غير أن سيريسانو اعتبرت أن ثمة مبالغة في هذه المخاوف، مذكّرةً بأن الابتكارات التكنولوجية الأخرى كاستخدام الضبط التلقائي (Auto-Tune، وهو مُعالِج يغيّر الصوت) أو نغمات الهاتف المحمول، أثارت انتقادات مماثلة.
وطمأنَت المحللة إلى أن "الموسيقى الجيدة هي التي ستتمكن في نهاية المطاف من أن تحقق النجاح".