بداية من الحرب الخاطفة بين الجهاد الإسلامي إسرائيل، ومصالحة حماس والنظام السوري، ومرورا بملف المصالحة الفلسطينية ولقاء الجزائر، كانت تلك أبرز الأحداث السياسية البارزة التي تعني قطاع غزة هذا العام الذي لم يختلف كثيرا عن سابقه فيما يخص المعاناة التي يكابدها سكان هذا الجيب المحاصر.
أفرزت الحرب الخاطفة بين الجهاد الإسلامي وإسرائيل العديد من القراءات حول طريقة تعاطي جركة المقاومة الإسلامية "حماس" معها، خاصة وأن هذه الأخيرة مارست سياسة ضبط النفس الى أقصى درجة وحاولت اجتناب الدخول في مواجهة بدأت من دون مقدمات وانتهت بنفس السرعة التي بدأت بها وعاد النصر فيها لطرف ثالث وهو مصر اذ بفضل جهودها الديبلوماسية تجنب القطاع المزيد من الخسائر المادية والبشريةـ وتجنبت حماس الاحراج الذي كان سيحصل لو استمرت الحرب لمدة أطول دون أن تحرك ساكنا فيها، مما كان سيضطرها الى المغامرة بمكاسب الهدنة السابقة حفاضا على سمعتها كحركة مقاومة يفترض ان بالمقدمة في أي مواجهة ضد إسرائيل .
لحسن الحظ أن فاتورة التصعيد الذي وقع في 2022 لم تكن كسابقتها في معركة سيف القدس 2021، ولعل حماس قد أصابت هذه المرة في عدم قبول جرها الى خراب جديد كان سيضاعف مشاكل غزة الاقتصادية التي لا تنفذ، واختارت حماس أن تفوت الفرصة على لابيد في استعمال العملية العسكرية كإشهار لحملته الانتخابية التي بدأت بعناوين عريضة من جملتها التهديد الأمني الذي يأتي من غزة وضرورة مواجهته لتعزيز أمن اسرائيل واضعاف المقاومة.
لقد اختارت حماس أن تكون سنة 2022 سنة السياسة الخارجية في محاولة لتصحيح أخطاء الماضي، وطرقت باب موسكو التي عبدت الطريق لها للتصالح مع سوريا بعد جفاء دام عقدا كاملا، يوم ظنت حماس أن أيام الأسد معدودة في السلطة وقفزت من القارب قبل أن يغرق ظنا منها أن ذلك الخيار يأتي ضرورة لضمان تموقع جديد في سوريا الجديدة، ومع مرور الزمن وتبدل الأحداث وتقارب تركيا مع اسرائيل صار من المنطقي أن تتدارك الحركة خطأها الجسيم مع نظام دمشق وأن تطلب الصلح والصفح عن ما بدر منها، وبالفعل تحقق الصلح ولكن من غير صفح وبدى تحفظ دمشق واضحا من تلك المصالحة اذ لم تعطيها وسائل الاعلام السورية أهمية واكتفت بذكرها في سطرين أو ثلاثة وهو ما يفسر أن تلك المصالحة جاءت بإملاءات من ايران واضطرت دمشق لقبولها على مضض ولكن من دون أي تفكر في استعمالها ك بروباغوندا سياسية تروج للدعم السوري للمقاومة في فلسطين ولمحور الصمود والممانعة .
صحيح أن حماس صححت خطأ خالد مشعل حيال سوريا ولكنها لم تستطع أن تنسي النظام في سوريا ما اقترفته من ذنب بعد أن رفعت أعلام الثورة السورية في مهرجاناتها بغزة، ولهذا فإن توجه حماس نحو دمشق لم يأتي بجديد ولن يأتي خاصة وان الأسد فتح أبوابه لحركة فتح بعد جفاء دام لعقود طويلة ولا يمكن أن يجمع خصمين على أرض واحدة فيها من اللاجئين ما هو كفيل بأن يشعل حربا أهلية في المخيمات.
ملف المصالحة أيضا أتى في سنة 2022 ولكن عبر بوابة الجزائر التي حاولت أن تحيي ديبلوماسيتها الخارجية بالملف الفلسطيني خاصة وأنها كانت على موعد مع حدث استضافة القمة العربية، ولكن تحمس الجزائر لم يقدم أي شيء جديد سوى مصافحة باردة بين رئيس السلطة ورئيس الحركة وبعد لقاءهما توجه الوفدان كل الى مقر اقامتها، وعاد ملف المصالحة الى المربع الأول وهو أمر طبيعي في ظل تواجد نفس الظروف التي أدت الى الانقسام وفي ظل تمسك حماس بشرعيتها في غزة وتمسك السلطة بشرعيتها على كامل فلسطين.
أما في الجانب الاجتماعي والاقتصادي داخل القطاع فالوضع يتجه من سيئ الى أسوأ حتى في ظل وجود سلسلة من التسهيلات التي قدمها الاحتلال لضمان عدم سقوط الهدنة، كزيادة عدد تصاريح العمل وتسهيل عبور البضائع وزيادة حركة التجارة بين غزة والعالم الخارجي، هذه الإجراءات ربما ترفع القليل من المعاناة ولكنها تبقى مجرد مسكنات شأنها شأن المساعدات المالية القطرية التي لا يمكن لها أن تعالج المرض من العلة : علة غزة هي خروج مصانعها عن العمل وتوقف أغلبها من النشاط وارتفاع نسب البطالة مقارنة مع المعروض من تصاريح العمل وفرص العمل التي تكاد تكون شبه معدومة بل معدومة اذا لا يعقل أن نسمي ما يقوم به الأجير الذي يتقاضى مابين 15 و 20 شيكل بالعمل بل بالعبودية لأن مقابل تلك القيمة لا يكفي سوى لشراء بعض من الأكل .
لا تخلو كل سنة من ضرائب جديدة تفرضها حماس لمواجهة العجز في ميزانيتها اذ فرضت في سنة 2022 ضرائب جديدة على الملابس المستوردة وأسعارا جديدة لأسطوانة الغاز ورغيف الخبز زادت من سخط الغزيين على واقعهم المر وجعلت البعض منهم يدعوا الى الخروج الى الشارع ومخاطبة حماس التي لا تراعي ظروف وأحوال الناس المعيشية لتزيدها سوءا على سوءا مستخدمة كلمة " الحصار " لتبرير كل الزيادات وكل السياسات التي يترتب عنها المزيد من العناء.
لحسن الحظ أن سنة 2022 اختتمت بخبر سار مفاده التوصل الى اتفاق بين مصر وجهات فلسطينية واسرائيلية لبداية استغلال حقل مارين الغازي الواقع في سواحل غزة والذي ربما قد تكون حصتها منه كفيلة بحل أزمة الكهرباء حيث تعمل محطة توليده بالغاز، وهو ما يعني أنه وان تم بالفعل استغلال الحقل فإن شوارع غزة ستبيت في النور على غير عادتها وحتى وإن كانت التقديرات تشير الى أن حجم العائدات المالية من هذا الحقل لن يكون بتلك الضخامة التي يمكنها أن تقلب حال غزة الى الدوحة إلا أن أقصى ما يمكن أن يتمناه المواطن الغلبان منها هو أن تقيه الحاجة الى السولار للتدفئة وأصوات مولدات الكهرباء التي تملأ الدنيا ضجيجا للحصول على بعض النور.
نتمنى أن يحمل عام 2023 ما يغير حال غزة والغزيين وان لم يحمل فنتمنى أن يمر مرور الكرام بدون حروب وبدون دمار ....