عودا على بدء، ذكرت في المقال السابق أن ملف الطاقة ملف جوهري وقضية استراتيجية تلامس الجميع دون استثناء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كون الطاقة شريان الاقتصاد، ومحرك التنمية، وقلب التطور النابض، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال دورها وأهميتها حاضرا ومستقبلا، ولا يمكن وضع خطط استراتيجية وتنموية لأي دولة بمعزل عن الطاقة وشرايينها وسلامة إمداداتها وديمومتها.
سلطت الضوء على الحالة الاقتصادية التي يمر بها العالم التي ليست في أحسن أحوالها، فبعد جائحة كورونا التي نحرت الاقتصاد العالمي من الوريد للوريد، ألقت الأزمة الروسية - الأوكرانية بظلالها على الاقتصاد العالمي على مختلف الأصعدة، وعلى رأسها قطاع الطاقة وإمداداته، كون روسيا أكبر مصدري الغاز في العالم، وثاني منتجي النفط في العالم. هذه الأزمة الحقيقية أثرت في إمدادات الطاقة العالمية، وأثرت في أسعار النفط بصورة ملحوظة، فقد ارتفعت أسعار النفط إلى مستويات 120 دولارا للبرميل ومن المتوقع لها مزيد من الارتفاعات، وهذا أيضا ينطبق على أسعار الغاز في أوروبا التي تعتمد على مصادر الطاقة الروسية بنسبة تقدر بنحو 40 في المائة من مجمل استهلاكها، كما أوضحت سابقا. في خضم هذه الأزمة، وبكل أسف، هناك دول وجهات مختصة في قطاع الطاقة وبيوت خبرة وجهات إعلامية ما زالت تنادي بتقويض صناعة الوقود الأحفوري وعلى رأسه النفط، وتقوم بحملات ممنهجة لتقويض صناعة المنبع ووقف الاستثمار فيها.
حقيقة، كان لدي بصيص أمل أن يعود من يحملون لواء هذا التوجه إلى رشدهم بعدما رأوا بأم أعينهم رأس جبل الجليد فيما يخص أثر الحرب الروسية - الأوكرانية وأثرها في قطاع الطاقة. المؤشرات على أرض الواقع من ارتفاع أسعار النقط والغاز، وأزمة الطاقة التي تعانيها أوروبا وتحاول تخفيف آثارها فقط بكل الطرق، إضافة إلى ارتفاع أسعار الوقود إلى مستويات تاريخية في الولايات المتحدة، هذه المؤشرات بالتزامن مع طيش البعض لتجاهل حقيقة أن النفط كان وسيبقى أهم مصدر من مصادر الطاقة، تتيح لنا استشراف مستقبل خطير لأمن الطاقة العالمي. السؤال المهم في رأيي، وهو عنوان هذا المقال "هل فات الأوان؟". في اعتقادي أن الأوان لم يفت إذا ما راجع بعض الدول قراراتها بعين العقل، وإعادة تقييم قراراتها الاستراتيجية الخطيرة بموضوعية لا مجال فيها للمصالح الشخصية الضيقة، والأجندات السياسية الساذجة، حيث إنني أجزم أن هذه الدول ستكون المتضرر الأكبر من شح الطاقة ومن ارتفاع أسعار منتجاتها، والواقع يشهد بذلك.
رحلة تحول الطاقة في السعودية، وأعني هنا الوصول إلى مزيج من الطاقة ذي كفاءة عالية في الإنتاج والاستهلاك، وصديق للبيئة، يتسق مع التوجه العالمي في تحقيق أهدافه حول قضايا تغير المناخ والاحتباس الحراري، وأنموذج يحتذى به في التعاطي مع هذا الملف بموضوعية ومسؤولية وحكمة يفتقدها كثيرون. طريق رحلة تحول الطاقة ليس ممهدا تحفه الورود، بل هو طريق شائك جدا يحتاج إلى تعاون الجميع وليس قالبا واحدا يناسب جميع دول العالم، ويجب الأخذ في الحسبان أن تقويض الاستثمار في صناعة النفط والغاز خطأ استراتيجي سيصطدم بالواقع الجلي لكل ذي لب بلا تزيين وبلا رتوش.
شح الطاقة .. هل فات الأوان؟ «2»
مواضيع ذات صلة