ارتفعت الأسعار في الولايات المتحدة الشهر الماضي أسرع من المتوقع، حيث دفع ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء التضخم إلى أعلى معدل له منذ عام 1981.
وقالت وزارة العمل إن معدل التضخم السنوي ارتفع إلى 8.6 في المائة في مايو/أيار الماضي، بعد أن تراجع في أبريل/نيسان.
كما فرض ارتفاع تكلفة المعيشة أعباء كبيرة على كاهل الأسر وضغوطا على صنّاع السياسات للسيطرة على الوضع.
وكان البنك المركزي الأمريكي قد رفع أسعار الفائدة منذ مارس/آذار.
وأعرب خبراء عن أملهم وقتها في أن يفضي التحرك إلى تحسين النشاط الاقتصادي وتخفيف ضغوط الأسعار، لكن الصراع الروسي الأوكراني، الذي أدى إلى ارتفاع أسعار النفط والسلع مثل القمح، وعطل حركة الصادرات بين البلدين، جعل معالجة المشكلة أكثر صعوبة.
وسجلت أسعار المواد الغذائية الشهر الماضي ارتفاعا بما يزيد على 10 في المائة مقارنة بشهر مايو/أيار 2021، بينما سجلت أسعار الطاقة ارتفاعا بما يزيد على 34 في المائة.
بيد أن تقريرا صدر يوم الجمعة أظهر مواصلة زيادة الأسعار في شتى مناحي الأنشطة الاقتصادية، مما دفع إلى ارتفاع تكلفة كل شيء من تذاكر الطيران والملابس إلى الخدمات الطبية.
وقال غريغ ماكبرايد، كبير المحللين الماليين لدى مؤسسة "بنك ريت" إن "التضخم بلغ ذروته، وتخطت أسعار المستهلكين كافة التوقعات السابقة، وبطريقة ليست جيدة مع زيادة سنوية بنسبة 8.6 في المائة هي الأسرع منذ أكثر من 40 عاما".
وأضاف: "الأسوأ من ذلك هو ارتفاع الأسعار في كل مكان تقريبا. لا ملاذ من ذلك".
وتبذل الولايات المتحدة قصارى جهدها في ظل ارتفاع الأسعار منذ العام الماضي، عندما ارتد الوضع الاقتصادي القوي بشكل غير متوقع من صدمة الوباء، مدفوعا بجرعات كبيرة من إنفاق الحكومة الأمريكية، بما في ذلك الفحوصات المباشرة للأسر، وزيادة الإمدادات، وهو ما أدى إلى رفع الشركات أسعارها.
والآن أدت الحرب في أوكرانيا إلى تفاقم المشكلة في شتى أرجاء العالم، فضلا عن تأثير تدابير الإغلاق في الصين للحد من انتشار كوفيد خلال فصل الربيع.
ونظرا لتأثير ارتفاع التكاليف على القوة الشرائية للأسر، وتراجع الإنفاق، حذر مسؤولون من أن النمو في عدة دول معرض لخطر الانكماش الحاد.
وقال رئيس البنك الدولي، ديفيد مالباس، في وقت سابق: "الحرب في أوكرانيا، وتدابير الإغلاق في الصين، واضطرابات سلاسل التوريد، وخطر التضخم المصحوب بركود اقتصادي يضر بالنمو. وسيكون من الصعب، بالنسبة لدول عديدة، تفادي خطر الركود".
وكانت أسواق الأسهم الأمريكية قد سجلت تراجعا في أعقاب تقارير عن التضخم، كما تراجعت المؤشرات الثلاثة الرئيسية بما يزيد على 2 في المائة، فضلا عن تراجع الأسهم الأمريكية على مدى أسابيع، وأصبح المستثمرون يشعرون بالقلق حيال المسار الاقتصادي.
- روسيا وأوكرانيا: برنامج الأغذية العالمي يحذر من أن الحرب ستؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية
- روسيا وأوكرانيا: العالم يواجه "كارثة جوع" مع استمرار الحرب
وقال ريتشارد فلين، مدير شركة "تشارلو شواب" في المملكة المتحدة: "حتى لو بلغ التضخم ذروته قريبا، فمن غير المرجح أن يتباطأ بسرعة، فارتفاع الأسعار قد يضغط على الإنفاق الاستهلاكي على المدى المتوسط".
وأضاف: "أضف إلى ذلك مشاكل سلاسل التوريد المستمرة والتأثر الاقتصادي بسبب غزو روسيا لأوكرانيا وتأثير ذلك على التضخم، لذا من الطبيعي رصد زيادة المخاوف من حدوث انكماش اقتصادي".
ويواصل سوق العمل الأمريكي، في الوقت الراهن، إضافة وظائف، في إشارة إلى استمرار النمو.
لكن أن الأجور لا تواكب ارتفاع الأسعار، إذ أثر ارتفاع تكلفة المعيشة بشكل خاص على الأسر منخفضة الدخل، والذي يشكل الغذاء والطاقة جزءا كبيرا من ميزانية إنفاقها.
وأظهرت استطلاعات رأي أن غالبية الأمريكيين يعتقدون أن التضخم هو أكبر مشكلة تواجه البلاد، كما تراجعت معنويات المستهلكين وتراجعت شعبية الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الذي انتقده جمهوريون بسبب ذلك.
وخلال الشهر الجاري ارتفعت الأسعار بنسبة 1 في المائة، مدفوعة بارتفاع تكلفة البنزين، والتي سجلت رقما قياسيا جديدا في الولايات المتحدة، واقترب سعر الجالون من متوسط 5 دولارات.
وقالت وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، أمام جلسة استماع في واشنطن هذا الأسبوع، إن خفض الأسعار يعد "أبرز الأولويات".
وقال بايدن، في بيان: "لابد أن نبذل قصارى جهودنا، وبسرعة، لخفض الأسعار هنا في الولايات المتحدة".
وتعهد بايدن في وقت لاحق خلال كلمة ألقاها في لوس أنجلوس بكاليفورنيا: "أبذل قصارى جهدي للحد من ارتفاع أسعار بوتين، وخفض أسعار النفط والغذاء".
وقال روبرتو بيرلي، مدير أبحاث السياسة العالمية في بنك بايبر ساندلر للاستثمار، إنه يتوقع السيطرة على الأسعار مع قيام البنك المركزي الأمريكي، الاحتياطي الفيدرالي، برفع أسعار الفائدة، بيد أنه حذر من أن رفع تكاليف الاقتراض سيضر بالنمو الاقتصادي.
وقال: "يتمتع الاقتصادي الأمريكي، في الوقت الراهن، بحالة جيدة، ونرصد ذلك في وجود طلب قوي على كل شيء إلى حد كبير، وعلى السلع والخدمات. لكن يتعين على بنك الاحتياطي الفيدرالي الاهتمام بهذه المشكلة".
وأضاف: "لن نشعر بالنتيجة الآن، لكن في الأرباع السنوية التي تسبق التباطؤ الكبير في الاقتصاد الأمريكي، مدفوعا بدرجة كبيرة منه بالاحتياطي الفيدرالي".