عزيزة بوتاريت من لندن: في محاولة من وزير الخزينة البريطاني جورج أوزبون لإضاءة فجر المملكة المتحدة، الذي بات ملبدًا بالغيوم مثل شتائها، بدا شبه مطمئن في مؤتمر صحفي، وهو يقول: "اقتصادنا قوي بالدرجة التي تتيح له التصدي للتحديات التي تواجهها بلادنا الآن"، مضيفاً: "بريطانيا هي الوحيدة التي يمكنها تحديد موعد بدء إجراءات الخروج من الكتلة الاوروبية بتفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة". وهو ما رأى فيه محللون رداً على بعض السياسيين الاوروبيين الداعين للانتقام من المملكة، بعد ان قرر اهلها فسخ شراكة جمعتهم لاكثر من 40 عامًا مع الاتحاد الأوروبي.
وأضاف أوزبون الذي ارتدى للمناسبة سترة وربطة عنق سوداوين، "إن مغادرة الكتلة الاوروبية لن تؤثر كثيرًا على البلاد، فنحن مستعدون لمواجهة المستقبل"، لكنه لم يخف احتمالية بعض التعديلات بعد انتخاب رئيس جديد للوزراء.
انخفاض الاسترليني ومضاعفاته
ويأتي بيان أوزبورن، وهو الذي لم يتحدث منذ اعلان نتيجة االاستفتاء يوم 23 يونيو، في محاولة لتهدئة أسواق المال العالمية، التي اهتزت كثيرًا منذ نتيجة الاستفتاء، التي قلبت موازين الوضع البريطاني والاوروبي بل العالم بأسره.
وقبل بيان أوزبورن، انخفض الجنيه الاسترليني بشكل أكبر في التداول في آسيا، بنسبة 2.6٪ مقابل الدولار إلى 1.34، وخسرت أسواق المال العالمية حوالى ترليوني دولار، في ما بات يعرف بـيوم "الجمعة الاسود"، وصف بأنه أسوأ يوم منذ أزمة المال العالمية.
تداعيات الإستفتاء دفترية
وفي حوار حول مستقبل اقتصاد البلاد، بعد ما وصف بالهزة الاقتصادية البريطانية، قال رئيس البنك الاميركي "سيليكون فالي"، وأحد أعضائها المشاركين، فيليب كوكس لـ "إيلاف": "إن نتيجة الاستفتاء لا تزال غير واضحة كما إن تداعياتها واحصائياتها دفترية ليس إلا، لكن مما لاشك فيه ان انخفاض الجنيه الاسترليني أثر بشكل كبير على استثمارات الدول المرتبطة به ما سيجعل اقتصاد دولها مثل دول الخليج وأميركا وآسيا اكثر عرضة لتقلبات مالية"، لكنه أضاف بأن المستثمرين الكبار الذين يستثمرون عادة للمدى الطويل سيسترجعون خسائرهم مع العودة التدريجية للأسواق لحالها الطبيعي. كما أبدى تفاؤله بأن فك ذلك الارتباط سيخفف من حدة الروتين والتعاملات البروقراطية لبروكسيل، قائلاً إن التعامل اصبح مباشرًا مع الحكومة البريطانية، مما يسهل ويسرع عمل وكلائه.
وفي السياق ذاته، تكبد سوق المال الأميركي أكبر الخسائر، حيث فقدت الأسهم الأميركية حوالى 830 مليار دولار من قيمتها، من بينها 657 مليار دولار من أسهم الشركات الـ 500 الكبرى الصانعة لمؤشر "ستاندرد آند بورز"
وفي المجال العقاري، قال فيصل الدوراني، الباحث الدولي ومدير تطوير الأعمال في شركة كلوتن، لـ "إيلاف":" على الرغم من تشاؤمه من نتائج الاستفتاء وخاصة في مجال العقارات الذي عرف صعوداً صاروخياً منذ التسعينات، الا أن التدهور في قيمة الجنيه الاسترليني بين عشية وضحاها قد يمحي أية مكاسب في السنوات الأخيرة، لا سيما للمشترين من دول الخليج الذين يعتمدون مباشرة عملة ثابتة كالدولار الأميركي أو درهم الامارات العربية المتحدة، وستعرف انخفاضًا حادًا يقدر بـ 31% مقارنة بعام 2007 . لكن تلك الارقام ليست ثابتة وتعتمد على مدى قدرة عودة الجينيه لحاله الطبيعي".
ارتباك سياسي واستقالات بالجملة
ويبدو أن هزة المسار السياسي لا تقل قوتها عن المشهد الاقتصادي في بريطانيا، منذ اعلان نتيجة الاستفتاء فك الارتباك البريطاني الأوروبي، وعمقت أزمة الحزبين الرئيسين.
فبعد الانقسامات التي عاشها حزب المحافظين الحاكم خلال موجة حملات ما بات يعرف بالـ "بريكسيت" واعلان استقالة رئيس حزبه ورئيس الحكومة ديفيد كاميرون، انتقلت عدوى الاستقالات لحزب العمال الذي انتفض اعضاؤه بعد موجة ضبط النفس اثناء فترة البريكسيت، وباتت زعامة رئيس حزب العمال مهددة باستقالات جماعية، ، فيما واجه زعيم حزب العمال المعارض جيرمي كوربين مطالب متنامية بالتنحي.
واستقال 8 من أعضاء حكومة الظل الثلاثين بقيادة كوربين. ويتوقع أن يحذو المزيد حذوهم. وقالت وزيرة خارجية حكومة الظل هيلاري بين، انه تم فصلها بعدما تحدثت لجيريمي كوربن عن استقالتها.
من جهتها، أعلنت وزيرة الصحة في حكومة الظل هايدي ألكسندر استقالتها في تغريدة على تويتر، ونشرت صورة لخطاب الاستقالة الذي قدمته لكوربين، وقالت إن نتيجة التصويت لصالح المغادرة ادخلت البلاد في تحديات لم تشهدها المملكة من قبل. كما انتقدت حزب المحافظين واصفة اياه بالنظر الى الخلف. ويواجه أكبر حزبين سياسيين في بريطانيا أزمة بعد فشل زعيميهما في حملتهما لمنع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
كما ذكرت وسائل الاعلام، أن ما يصل إلى نصف أعضاء حكومة الظل الباقين، وعددهم 28 عضواً، يعتزمون الاستقالة، مما أدخل الحزب في صراع مفتوح.
فيتو اسكتلندي
من جانب آخر، وبالتوجه شمالاً، قالت رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستورجون إنها تتوقع مطالبة برلمان البلاد بوقف "الموافقة التشريعية" على التشريع المتعلق بخروج بريطانيا.
ما رآه ساسة آخرون بالامر غير القانوني، لكن يمكن أن تتم عرقلة تمرير التشريع من خلال حاجة المحافظين إلى انتخاب زعيم جديد عقب استقالة ديفيد كاميرون، وبالمعارضة المحتملة في البرلمان من جانب المشرعين المؤيدين للاتحاد الأوروبي من حزبي العمال والمحافظين، وهو أمر ربما لن يكون مطروحًا لتنافيه مع الديمقراطية التي يحميها دستور البلاد.
تخوف اوروبي من التجربة البريطانية
وفي أوروبا، سعى وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا إلى احتواء تداعيات الانسحاب المرتقب لبريطانيا، وأعدا خطة عمل مشتركة تهدف إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية والأمنية للاتحاد والتصدي لأزماته، التي جعلت الناخبين في عدد من الدول الأوروبية يطرحون فكرة اللحاق بخطى بريطانيا قد يحمل فجرًا مماثلاً كان قد أثير سلفًا.