ايلاف من الرياض: ناقش ملتقى أسبار التابع لمركز اسبار للدراسات بالرياض “التحول في عمل المرأة وأثره على قيم الأسرة السعودية” في ظل التحولات الاجتماعية والثقافية العميقة التي صاحبت توسع مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل، وما نتج عنها من تغيرات في البنية الأسرية والقيم الاجتماعية.
وأوضحت الورقة الرئيسة التي أعدتها د. مها العيدان أن عمل المرأة أصبح أحد أبرز مظاهر التغير الاجتماعي في المملكة، ورافقه بروز تحديات جديدة تتعلق بالتوازن بين العمل والحياة الأسرية، وانخفاض معدلات الخصوبة، وازدياد النزعة الاستهلاكية.
وأشارت د. مها العيدان في الورقة الرئيسة إلى أنه يمكن اعتبار أن التغير الاجتماعي ارتبط في المملكة العربية السعودية بشكل مباشر بتعليم المرأة، وعملها منذ تأسيس الرئاسة العامة لتعليم البنات عام 1959م: مما أتاح لها فرضا جديدة، وأسهم في تعزيز مكانتها الاجتماعية والاقتصادية، وقد بدأت المرأة السعودية عملها في مهن مقبولة اجتماعيا. مثل: التدريس، ثم توسعت لمجالات أخرى كالقطاع الصحي لتصبح مشاركتها الاقتصادية ملموسة ضمن خطط التنمية التي راعت قيم المجتمع، ومع رؤية المملكة 2030م ارتفعت نسبة مشاركتها إلى 36% بفضل تحديث الأنظمة، ورفع القيود، وتحقيق المساواة في الأجور، والتدريب، والسماح بقيادة السيارة، وعلى الرغم من المكاسب واجهت المرأة تحديات في التوفيق بين العمل والأسرة مع زيادة ساعات العمل، وتغير أنماط العلاقات الأسرية، وارتفاع النزعة الاستهلاكية: مما انعكس على الخصوبة، والسلوك الإنجابي.
وأوصت الباحثة بضرورة تقليص ساعات عمل المرأة، وتوفير مراكز رعاية للأطفال، وتشجيع الأمهات بمكافآت مالية مرتبطة بالإنجاب وذلك لضمان استقرار الأسرة، وتفادي الآثار السلبية.
وأكدت المعقبات أ.د. عزيزة النعيم، ود. هيلة السليم وسمها الغامدي أن التحول لم يكن مجرد تمكين اقتصادي، بل إعادة صياغة لدور المرأة والأسرة في ضوء رؤية 2030م، داعيات إلى تبني سياسات داعمة مثل تقليص ساعات العمل، وتوفير حضانات في أماكن العمل، وتصميم مؤشرات لقياس الرفاه النفسي والاجتماعي للمرأة العاملة.
واكد التقرير العلمي للقضية المثارة على أن التمكين الحقيقي للمرأة هو تمكين للأسرة والمجتمع، وأن النجاح في ذلك يتطلب مواءمة ثقافية وتشريعية مستمرة تحفظ توازن التنمية والهوية.
وأكدت سمها الغامدي في تعقيبها أن المرأة السعودية أسهمت تاريخيا بدور رئيسي في المجتمع، ومع رؤية 2030م توسعت مجالات عملها من التعليم والصحة إلى القطاع الخاص. والعسكري، وبينت أن الدراسات حول عمل المرأة في القطاع الخاص أظهرت آثارًا إيجابية، وسلبية حيث أثر غياب الأم على التربية والعاطفة، والرضاعة، والإنجاب في حين عزّز لدى الأبناء الاستقلال. والنظام إذا لم تتجاوز ساعات العمل خمس ساعات يوميا، كما أبرزت دراسات القطاع الصحي أثر بيئة العمل على العلاقات الأسرية موصية بتقليص ساعات العمل، وتيسير الإجازات. أما في القطاع العسكري فقد واجهت المرأة بعض التحديات، مثل رفض الأسر لساعات العمل الليلية.
وخلصت الباحثة بالتوصية إلى ضرورة إصدار تشريعات تدعم المرأة العاملة، وتساويها مع الرجل في الحقوق، والمهام، وتوفير برامج للتأهيل، والاستقرار الأسري، إضافة إلى تشجيع الدراسات النوعية لقياس أثر عمل المرأة على التوافق الزواجي، وتربية الأبناء مع متابعة مجلس الأسرة لهذه التغيرات الاجتماعية.
وأوضحت أ.د. عزيزة النعيم، في تعقيبها أن تغير القيم الاجتماعية سنة من سنن الحياة تتسارع مع دخول عناصر جديدة مثل الاكتشافات والهجرات والاختراعات، وأن تعليم المرأة، وعملها ليسا العاملين الوحيدين في تغير القيم الأسرية، وبينت أن المرأة السعودية عملت تاريخيا في البيع. والخدمات، والتوليد والتعليم، والأعمال الزراعية، والمنزلية بأجر مما يدل على أن عملها ليس جديدا في المجتمع.
كما أشارت إلى أن انتشار الأسرة النووية لم يكن نتيجة عمل المرأة وحده بل ساهمت فيه عوامل أخرى مثل الهجرة للدراسة والعمل في المدن الكبرى وتوسع فرص التعليم والصناعة.
وأكدت أن عمل المرأة أسهم في رفع دخل الأسرة، خاصة عند غياب العائل، أو في ظل زيادة النمط الاستهلاكي، وأنه ساعد على تكوين علاقات اجتماعية جديدة وذلك من خلال زميلات العمل، وأوضحت أن تعليم المرأة، وعملها غير أنماط الحياة في السكن والملبس، والتواصل الاجتماعي. وفتح المجال أمام زيجات أكثر تنوعا.
وختمت بضرورة دعم المرأة العاملة، وخاصة الأم عبر توفير حضانات في مقرات العمل، ومنحها إجازات أمومة مدفوعة بنسب متفاوتة: وذلك لضمان التوازن بين عملها ورعاية أسرتها.
بينما تناولت د. هيلة السليم في تعقيبها تحول عمل المرأة السعودية من القبول المقيد إلى الشرعية المؤسسية وذلك بفضل الإصلاحات التشريعية، ورؤية 2030م التي وسعت مشاركتها في مختلف القطاعات. وخفضت بطالة الإناث. وأشارت إلى أن هذا التحول ترافق مع إعادة تركيب المجالين العائلي، والعام حيث أسهم عمل المرأة في بروز الأسرة النووية، والاعتماد على خدمات السوق، وتزايد "عبء الدورين" بين البيت والعمل، إضافة إلى نشوء صداقات العمل، وتقلص الروابط التقليدية، كما أوضحت أن التغير القيمي اتجه نحو النزعة الاستهلاكية، وصعود قيم الإنتاجية. والإنجاز الفردي مما أعاد تشكيل هوية المرأة، ودورها الاجتماعي. وأكدت أن انخفاض الخصوبة لا يرتبط بعامل واحد بل تتعقد قرارات الإنجاب المرتبطة بتكلفة الفرصة البديلة، ومعايير الأمومة الجيدة" الجديدة، ورصدت مفارقات التحول بين التمكين الاقتصادي والإجهاد النفسي، والاجتماعي، وتوسع الحرية الفردية، وانكماش شبكات القرابة وارتفاع المكانة الرمزية مقابل تضخم تكاليف الأمومة، وعرضت مقارنة دولية مع الغرب، والهند وباكستان، وبعض الدول العربية مبينة أن السعودية تميزت بسرعة التحول المؤسسي، والتشريعي مع مراعاة الخصوصية الثقافية، وأوصت باستحداث جداول عمل مرنة، وحضانات في بيئات العمل، ومشاركة الآباء في الرعاية، وحوافز ذكية للأمومة، وشبكات دعم مجتمعية حديثة، وأخيرًا مؤشرات رسمية لقياس الرفاه النفسي. والاجتماعي للمرأة مؤكدة أن التحول ليس مجرد دخول سوق العمل بل إعادة تصميم اجتماعي. وثقافي شامل لتحقيق رفاه أسري، ومجتمعي مستدام.
يذكر ان الأسرة الممتدة كانت سائدة تقليدياً في السعودية. لكن مع توسع عمل المرأة والتوسع الحضري والعمل في المدن الكبرى أصبحت الاسرة النووية أكثر شيوعاً.


