الرباط: نبه المجلس الأعلى للحسابات المغربي (هيئة قضائية مالية عليا) من تردي أوضاع المؤسسات والمقاولات العمومية، وحذر من المخاطر التي يمثلها الإرتفاع السريع لحجم مديونيتها على المالية الحكومية.
وأشار المجلس في تقريره الأخير حول "قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية بالمغرب: العمق الاستراتيجي والحكامة الى أن مؤشرات نشاط هذه المؤسسات تعرف بطئاً في النمو منذ 2010، وتراجعا ملحوظا على مستوى الاستثمارات المنجزة ، وارتفاعا في المديونية، إضافة إلى ارتفاع التحويلات المالية الحكومية لفائدة هذه المؤسسات.
وأوضح التقرير أن عدد المؤسسات التي تساهم فيها الخزينة الحكومية بشكل كبير بلغ 256 مؤسسة، اضافة الى 442 فرعا ومؤسسة عمومية، مشيرا إلى أن إجمالي أصولها يتجاوز 1001 مليار درهم (100 مليار دولار). وبلغ إجمالي استثماراتها 71.6 مليار درهم (7مليار دولار)، وحصتها من القيمة المضافة 72.7 مليار درهم (7.3 مليار دولار) أي ما يعادل 7.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وذكر التقرير ان رقم معاملاتها بلغ 198 مليار درهم (20 مليار دولار). غير أن تمويل هذه المؤسسات والشركات ما زال يرتبط بشكل كبير بتحويلات الحكومة لفائدتها والتي بلغت 160 مليار درهم (16 مليار دولار) بين سنة 2000 وسنة 2014، في حين لم تتجاوز تحويلات هذه المؤسسات مجتمعة إلى الحكومة برسم حصتها في الأرباح 45 مليار درهم ( 4,5 مليار دولار) خلال الفترة ذاتها ، مصدر أغلبيتها الساحقة ثلاثة مؤسسات فقط هي المكتب الشريف للفوسفات ، وصندوق الإيداع والتدبير، وشركة اتصالات المغرب،بينما تعرف العديد من المؤسسات عجزا وخسائر أو تدني كبير في مستوى أرباح.
واشار التقرير إلى أن مديونية هذه المؤسسات عرفت ارتفاعا مطردا خلال السنوات الأخيرة، وقال انها بلغت 246 مليار درهم (24,6 مليار دولار) عام 2015، وهو ما يشكل 25 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وعرفت هذه المديونية زيادة بنحو 321 %مقارنة مع سنة 2004. وذكر التقرير أن حجم الدين الخارجي ضمن هذه المديونية في ارتفاع متسارع منذ 2008 ، مشيرا الى انه بلغ 160 مليار درهم (16 مليار دولار) في 2015، وأصبح يشكل حصة 65 في المائة من مجموع مديونية هذه المؤسسات.
الانسجام مع الإطار الماكرو- اقتصادي للدولة
أوصى المجلس الأعلى للحسابات الحكومة بتبني سياسة أكثر إرادية بأهداف واضحة وصريحة كي يضطلع قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية كليا بدوره المنوط به في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
واعتبر المجلس أن هذه السياسة يتعين أن تكون أكثر انسجاما مع الإطار الماكرو -اقتصادي للدولة، من جهة، ومع الاستراتيجيات القطاعية المقررة من قبل مختلف الوزارات من جهة أخرى، وأن تحدد القطاعات ذات الأولوية التي تعول عليها الدولة لتركيز تدخلاتها وتموقع وظيفة المقاولات العمومية في تنفيذ البرامج العمومية.
وتتجلى أهم المواضيع التي يتعين معالجتها وتوضيحها بخصوص هذه السياسة في تحديد دور قطاع المقاولات العمومية ومكانته في الاقتصاد الوطني وأشكال الحكامة والمراقبة ومردودية المحفظة العمومية وكذا تحويلات الدولة للقطاع أو العكس، حسب التقرير الذي أشار إلى أنه يمكن عبر هذه الرؤية الاستراتيجية المرجعية قيادة المحفظة العمومية ومراقبتها مع الأخذ بعين الاعتبار، بشكل دائم، التناسق بين البرامج التي تنجزها المؤسسات والمقاولات العمومية والسياسات العمومية المحددة من لدن الدولة بشأن هذا القطاع.
كما أوصى المجلس بإعادة هيكلة قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية ذات الطابع التجاري وفقا لتوجه استراتيجي ثابت يخضع لمبادئ توجيهية تتمثل أولا في فسح المجال كلما أمكن ذلك أمام القطاع الخاص وبالموازاة تخلي الدولة عن الأنشطة التي يمكن القيام بها وتحملها من لدن هذا القطاع.
تشجيع آليات المنافسة
وتنص هذه المبادئ أيضا على تشجيع آليات المنافسة قدر الإمكان وذلك لوضع حد لاحتكار بعض المقاولات العمومية لأنشطة تجارية أو الهيمنة عليها، وتطوير الاستراتيجيات القطاعية وفق مقاربة ترتكز على معالجة متمايزة ومحددة حسب الرهانات المطروحة في كل قطاع وخصوصياته.
وانطلاقا من هذه الاستراتيجية، يمكن تصنيف المؤسسات والمقاولات العمومية وفق مقاربة دينامية الى ثلاث فئات تتمثل في المؤسسات والمقاولات العمومية التي يجب الحفاظ عليها تحت مراقبة الدولة، والمؤسسات والمقاولات العمومية التي يمكن أن تتطور في إطار شراكة مع القطاع الخاص، وتلك غير القابلة للاستمرار والتي يتعين حلها أو تصفيتها.
وأوضح التقرير أن هذا التصنيف لا يستهدف حصر المؤسسات والمقاولات العمومية ضمن فئة معينة، بل يروم العمل على تقييمها دوريا للتأكد من مدى تطابق برامجها مع السياسات العمومية وكذا البحث في إمكانيات تطويرها
الإبقاء على المقاولات العمومية
وأكد المجلس أنه يتعين الإبقاء فقط على المقاولات العمومية المتمثلة للأهداف التي تحددها الدولة في دورها المزدوج كفاعل استراتيجي وكمساهم ضمن حظيرة القطاع العام.
وتفاديا لتشتيت المجهودات بين عدد كبير من الوحدات المتباينة والمتباعدة، أوصى التقرير بتحليل المخطط التنظيمي لتركيز تدخل الدولة في عدد ملائم من المجموعات العمومية، فضلا عن القيام بدراسات لحصر نطاق حجم المحفظة العمومية وتحديد التدابير المثلى التي يجب اعتمادها من قبيل عمليات الاندماج أو إعادة التجميع أو الانسحاب أو التفويت أو التصفية وغيرها.
واعتبر التقرير أنه يمكن تحسين المحفظة العمومية وفقا للكيفيات التالية متمثلة في الانسحاب بشكل تدريجي من المساهمات المباشرة التي تمتلك فيها الدولة حصة أقلية وإلحاقها في مرحلة أولى بمجموعة عمومية قائمة، علما بأن هذه المساهمات نادرا ما تتسم بالطابع الاستراتيجي كما أنها لا تدر أي أرباح للخزينة.
كما يمكن اللجوء في مرحلة ثانية إلى تفويت هذه المساهمات المباشرة ذات حصة أقلية لفائدة القطاع الخاص كلما بدا ذلك ضروريا، إلى جانب القيام بعمليات تحويل بين المؤسسات والمقاولات العمومية للحد من وجود العديد من المقاولات العمومية التي تمارس نفس النشاط وعلى نطاق نفس المجال الترابي في بعض الأحيان.
ويمكن تحسين المحفظة أيضا بتفعيل مسطرة ( اجراءات) حل المقاولات العمومية التي أوقفت نشاطها وذلك بإحداث آلية قانونية بشأن حلول الدولة أو الجماعة الترابية أو المساهم العمومي المعني محل المقاولات المعنية في الديون والقروض والالتزامات.
ويتوجب على الدولة تبعا لهذه التركيبة، حسب التقرير، الانسحاب من الأنشطة التقليدية للقطاع الثالث كعمليات التسويق والتداول والتدبير الفندقي والإنعاش العقاري التي ما زالت تستقطب العديد من الشركات ذات المساهمة العمومية بشكل مباشر أو غير مباشر.
دراسات استباقية
ويؤكد المجلس الأعلى للحسابات أنه قبل أي إحداث لمقاولات عمومية جديدة، يتعين القيام بدراسات استباقية تؤكد ضرورة اللجوء إلى الفاعل العمومي بسبب عدم قدرة القطاع الخاص على الاستثمار في الأنشطة المعنية أو على أساس اعتبار أن التدبير العمومي سيكون أكثر فعالية وملاءمة.
ويجب أن يصاحب كل مشروع، وفق التقرير، إحداث منشأة عمومية جديدة بخطة أعمال تبرز مدى القيمة المضافة من إحداثها ولاسيما على مستوى نظام أجور الرأسمال البشري والتوزيع الأمثل للموارد العمومية وتحسين عائدات المحفظة العمومية وكذلك المردودية الاقتصادية والمالية للمشروع وآثاره الاجتماعية.كما يوصي المجلس أن تتم عمليات إحداث الفروع واتخاذ المساهمات بشكل استثنائي وفي حالات مبررة، كإحداث آليات قانونية تعزز التحالفات الاستراتيجية أو تدعم الشركاء الخواص أو العموميين.
ولضمان حكامة جيدة للمجموعات العمومية، يتعين دراسة عمليات إحداث الفروع أو المساهمات المالية من لدن الهيئات التداولية للشركات الأم للمجموعات أو للشركات القابضة، قبل عرضها على موافقة وزارة الاقتصاد والمالية، للتأكد من مدى تطابق العملية مع استراتيجية تدخلها ومن مدى تحسين محفظتها المالية.
الآلية القانونية للخصخصة
ويرى المجلس أنه أضحى من الضروري تحيين الآلية القانونية المتعلقة بالخصخصة وحركات المحفظة العمومية في اتجاه تخفيفها وملاءمتها مع المحيط الوطني والدولي، ويوصي بالتالي بالعمل على إعادة النظر في الآليات المعتمدة في تحديد قائمة المؤسسات العمومية المرشحة للخوصصة.
وعليه يمكن أن يتم، سنويا، تحضير مقترحات بشأن المقاولات العمومية المزمع خوصصتها بمناسبة تقديم مشاريع قوانين المالية، بغية تحقيق تدبير مرن ودينامي للمحفظة العمومية يتلاءم وإكراهات المحيط الذي تعمل فيه هذه المنشآت، حسب التقرير.
وبخصوص المساهمات غير المباشرة للدولة، وبغية إعطاء دينامية أكبر للمساهم العمومي وحثه على اتخاذ القرار الملائم، أشار المجلس إلى أنه يتعين إثارة مسؤولية الهيئات التداولية للمؤسسات والمقاولات العمومية مالكة هذه المساهمات في المواضيع الاستراتيجية وفق المبادئ المتعلقة بحكامة المقاولات.