كان لرواية "اسم الوردة" التي أصدرها الراحل الكبير امبرتو ايكو تأثير كبير على الكتابة الروائية في إيطاليا. وقد يعود ذلك إلى أن صاحبها عاد بنا إلى القرون الوسطى ليربط الواقع بالخيال، راسما لنا صورة بديعة عن تلك الفترة التاريخية التي لا تزال تثير شغف وفضول الباحثين والشعراء والروائيين لاكتشاف خفاياها وأسرارها.
وفي ربيع هذا العام، أصدر كارلو فيشي أستاذ الأدب في جامعة نابولي، والذي يعتبر واحدا ما أكبر المختصين في عصر النهضة الإيطالية، رواية تجمع بين التاريخ والخيال عن سيرة والدة الفنان العبقري ليوناردو دو فانشي صاحب الروائع الفنية الذي ترك للإنسانية تراثا فنيا عظيما لا يزال يغذي خيال الفنانين إلى حد هذه الساعة.
ولعل لوحة "الموناليزا" الشهيرة إحدى هذه الروائع. وكان ليوناردو دو فانشي المولود عام 1452، والمتوفي عام1519، رساما، ونحاتا، وعالما من طراز رفيع. وكان شغوفا بمجالات معرفية مختلفة. وفي جميعها كان مبدعا ومتقنا نادر الوجود.
وتحمل هذه الرواية التي تتوقع مختلف وسائل الاعلام الإيطالية والأوروبية أن تكون الحدث الثقافي الأكبر على مدى هذا العام، عنوان: "ابتسامة كاتارينا، والدة ليوناردو دو فانشي".
ومن خلال هذا العنوان، يوحي لنا المؤلف بإن "المونا ليزا" قد تكون والدة ليوناردو دو فانشي نفسها. ومعتمدا على وثائق عديدة ظل مواكبا على دراستها وتفحّصها، يقدّم لنا كارلو دو فيشي معلومات مثيرة وغير مسبوقة عن هذه المرأة الغريبة التي ظلت على مدى قرون لغزا محيرا بالنسبة للباحثين والمؤرخين.
وتقول المصادر القديمة بإن كاتارينا دو ميو ليبي هي ابنة مزارع من توسكانا ارتبطت بعلاقة سرية وغير مشروعة مع بيارو دو فانشي، أحد أعيان فلورنسا.
وهذا ما أكده جد ليونادرو دو فانشي بعد أن بلغ من العمر85 عاما. إلاّ أن ليوناردو دو فيشي يأتي بمعلومات جديدة مخالفة تماما للمعلومات القديمة، معتمدا في ذلك على وثائق تشير إلى أن كاتارينا هي في الحقيقة أمه وجُلبت من بلاد القوقاز لتعمل خادمة عند زوجة دوناتو دي فيليبو، وهو أحد كبار رجال الصناعة في فلورنسا. وهو الذي قام بشرائها من أسواق البندقية. وكانت آنذاك في الخامسة عشرة من عمرها. وأثناء عملها كخادمة، عشقها بيارو دو فانشي، ومنه أنجبت طفلا سمته ليوناردو. وقد ظلت ترعاه وتعتني بتربيته إلى أن تزوجت من مزارع من ضواحي فلورنسا يدعى أنطونيو بوتي، ومعه عاشت أربعين عاما، ومنه أنجبت خمسة أطفال.
ومثل هذا الاكتشاف، يدفع الباحثين والمؤرخين إلى إعادة النظر في العديد من الحقائق القديمة المتعلقة بتاريخ الفنون في عصر النهضة، وبسيرة ليوناردو دو فانشي نفسه، ويزيح الكثير من الغموض بشأن الخصائص والمميزات الأساسية لعمله، ولرؤيته وعبقريته الفنية، ولحريته الفكرية، وحبه للجمال.
وكل هذه الخصال يُدين بها لوالدته القادمة من بعيد، والتي وُلِدَت في القوقاز حرة ومتوحشة.
ويقول كارلو فيشي بإن "ليونادو دو فانشي هو في الحقيقة خلاسيّ، وكوني لأنه لا ينتسب إلى أي شعب، ولا إلى ثقافة واحدة، وإنما إلى الانسانية برمتها".