: آخر تحديث

تأثيرات الطفولة على دوريس ليسينغ 

61
79
42
مواضيع ذات صلة

خلال القرن العشرين الذي عاشته بالطول والعرض، كانت البريطانية درويس ليسينغ (1919-2013) من أشهر الكاتبات لا في بلادها فحسب، بل في العالم إذ حصلت بفضل أعمالها الروائية المرموقة على جائزة نوبل للآداب عام 2007. 

وكانت لطفولتها التي عاشتها في مناطق مختلفة، تأثير قوي على مجمل ما كتبت. كما كان لها تأثير هام على مواقفها وأفكارها السياسية والايديولوجية. وعن ذلك،كتبت تقول :”ولدت في ايران، وفي كرمنشاه تحديدا. ثم انتقلت عائلتي للعيش في طهران. بعدها اجتزنا روسيا في القطار خلال الثورة البلشفية التي أطاحت بالنظام القيصري. وفي بريطانيا، أمضينا 6 أشهر، ثم ركبنا باخرة نقلتنا إلى افريقيا الجنوبية. وفي روديسيا، وتحديدا في ساليسبوري، اشترى والدي ضيعة. ولعل عائلتي اختارت ذلك المكان بسبب طبيعته الخلابة، ومشاهده الرومانسيّة. وما كان يخيفنا في تلك المنطقة لم تكن الحيوانات المتوحشة، وإنما الثعابين. ويمكن أن أقول بإنني عشت في المناطق الأشدّ خطرا في العالم من الناحية الصحية. مع ذلك، حتى وإن أمضيت اليوم بكامله برفقة أخي خارج البيت، وأنا حافية القدمين، فإن الثعابين لم تصبني بسوء إذ أنني كنت شديدة الإحتراز. وكنت أراقب جيّدا المكان الذي فيه أضع قدمي. وحين تدخل الثعابين إلى البيت، كانت والدتي تأخذ مسدس والدي وتطلق عليها النار".  

وتضيف دوريس ليسينغ قائلة :”حظي الكبير أنني شاهدت في طفولتي وبحرية كاملة كلّ تلك الحيوانات الموضوعة الآن في الأقفاص والحدائق كي يتفرج عليها الناس. كانت هناك فهود في الهضاب المحيطة ببيتنا، كما كانت هناك جميع أنواع الطيور التي يمكن تصوّرها. الآن لم يعد هناك أيّ شيء. إنه شيء يبعث على البكاء".  

وفي طفولتها، عاشت دوريس ليسينغ الفقر والثورات. وكان والداها يفسران لها ما كان يحدث أمام عينيها. وفي روسيا شاهدت مناظر بؤس ظلّت عالقة بذهنها لأمد طويل: نساء يحاولن بيع البيض أو قليلا من الخبز اليابس. أما الأطفال فقد كانوا يتسولون في الشوارع، وفي محطات القطار. وعن الوضع المادي لعائلتها، تقول دوريس ليسينغ :”كانت الخصاصة هي المشكلة التي تؤرق عائلتي طوال الوقت. وكان والدي دائم المرض. فقد جُرحَ خلال الحرب الكونية الأولى. ولأنهم بتروا ساقه، فإنه كان يستعين بساق خشبية. أما والدتي فقد كانت كارهة لهذه الحياة. وكانت دائمة التشكي من هذا الوضع. وقد يعود ذلك إلى جذورها، إذ أنها كانت بورجوازية بريطانية صغيرة. وكان بودها أن تعيش في لندن ، وتتزوج دكتورا. لكن ها  أن  الظروف اللعينة تجبرها على الذهاب بعيدا عن أحلامها لتجد نفسها وسط الحيوانات الإفريقية المتوحشة من دون أدنى إمكانية تتيح لها العودة إلى بلادها. وبسبب زوج مريض، وبسبب الفقر، كانت تشعر أنها محبوسة داخل قفص". 

ويوما ما شاهدت دوريس ليسينغ والديها يستنشقان الهواء في شرفة البيت. وكان مظهرهما محزنا للغاية. فقد أدركتهما الشيخوخة، وظهر الإعياء على ملامحهما. عندئذ قررت الشابة الجميلة أن تهجر ذلك العالم الكئيب لكي لا تعرف نفس المصير. وخلال سنوات الشباب، اعتنقت دوريس ليسينغ الشيوعية، وتزوجت لاجئا يهوديا قادما من المانيا التي كانت قد سقطت في قبضة النازيين. وفي ما بعد، اكتشفت أن انتماءها للشيوعية كان خطأ فادحا. ففي ما كان يسمى بالاتحاد السوفياتي ارتكبت مجازر فظيعة، وحكم ستالين الشعب الروسي بأكثر قسوة وشدة من القيصر. وكان المعارضون للنظام الشيوعي يرسلون إلى المعسكرات في سيبيريا أوهم يعدمون. ولم يكن لينين أفضل من ستالين. أما ضحايا ما سمي ب"الثورة الثقافية" في الصين فقد تجاوز المليوني ضحية! وعن الالتزام، تقول دوريس ليسينغ:”هناك من يقول أو يكتب أنني كاتبة ملتزمة. إلاّ أنني لم أكتب كتابا واحدا بهدف تمرير رسالة عقائدية. الناس يفرقون بين أن يكتب الإنسان حول السياسة، وبين أن يكتب كتبا سياسية. وكنت قد ألفت كتابا يروي مغامرة مجموعة شيوعية في جنوب شرقي آسيا. وقد قيل وكتب أنها رواية ملتزمة. إلاّ أن هذا ليس صحيحا مطلقا إذ أن الرواية كانت مجرد تصوير من الخارج. الكتاب الملتزم هوفي نظري رواية 1984 لجورج اورويل.  وأعتقد أن هذه الرواية هي أفضل رواية ملتزمة قرأتها في حياتي". 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ثقافات