: آخر تحديث

ثلاثة مشاهد تختصر إسرائيل

7
7
5

زيارة دونالد ترامب القصيرة لإسرائيل لم تكن مجرد محطة بروتوكولية، بل شكلت مرآة عاكسة لأزمة داخلية عميقة يعيشها الكيان الإسرائيلي في بنيته السياسية والاجتماعية. من خلال ثلاثة مشاهد لافتة، يمكن قراءة ملامح التخبط وتآكل صورة “الدولة القوية” التي طالما حاولت إسرائيل ترويجها أمام العالم.

المشهد الأول: لفتة ترامب واتصال السيسي
في لحظة بدت ودّية أمام الكاميرات، دعا ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة لمرافقته في سيارته الرئاسية. ظنّ البعض أنها مجاملة دبلوماسية بين "صديقين"، لكن خلف هذه اللفتة كانت هناك رسالة سياسية واضحة.

ترامب أراد من نتنياهو ترتيب اتصال مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لقبول دعوة حضور قمة شرم الشيخ للسلام، في وقت كانت فيه القاهرة تلعب دورًا محوريًا في وقف الحرب على غزة.

وبالنهاية عاد نتنياهو واعتذر عن حضور القمة لخلافات داخلية.

المفارقة أنَّ نتنياهو كان يحمل موقفًا سلبيًا من السيسي بسبب رفضه تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، لكن ترامب أجبره على الانصياع.

هذا المشهد كشف حدود القوة الإسرائيلية أمام الإرادة الأميركية، وأظهر أن “التحالف” الذي بناه نتنياهو لا يعني الندية، بل التبعية السياسية في لحظات الحسم.

المشهد الثاني: سارة نتنياهو ودراما البيت الداخلي
خلال مرور القادة في أروقة الكنيست، حاولت سارة نتنياهو أن تتقدم الصفوف لتسير إلى جانب ترامب وزوجها في المقدمة، لكنها لم تنجح في ذلك بالرغم من محاولاتها المتكررة وإشارتها لنتنياهو أكثر من مرة، وكأنه لم يسمعها أو تجاهلها عمدًا.

هذا المشهد، بالرغم من بساطته، حمل دلالات عميقة. فالسيدة التي يُقال إنها صاحبة التأثير الأكبر على قرارات رئيس الوزراء، وجدت نفسها عاجزة عن فرض إرادتها في لحظة علنية أمام عدسات العالم.

إنها صورة مصغّرة عن التناقض داخل القيادة الإسرائيلية: سلطة عائلية تتحكم في القرار من وراء الكواليس، لكنها تفقد توازنها حين تُسلَّط عليها الأضواء.

وتناقلت بعض التقارير أن غضب سارة بعد الزيارة كان صاخبًا إلى درجة أن صراخها سُمع من قيسارية حتى تل أبيب، في مشهد يرمز إلى الفوضى التي تحكم المشهد السياسي في إسرائيل.

المشهد الثالث: تصفيق الكنيست ولافتة أيمن عودة
في الكنيست، تحولت الجلسة إلى مسرح للتملق المفرط، تصفيق متواصل وخطابات مكررة لم تشهدها حتى الأنظمة الأكثر استبدادًا. وسط هذا المشهد، برز موقف مختلف تمامًا من النائبين أيمن عودة وعوفر كسيف، اللذين رفعا لافتة كتب عليها "اعترف بفلسطين".

خروج النائبين من القاعة وسط تصفيق اليمين المتطرف كشف عمق الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي، بين من يرى في الاحتلال هوية الدولة، ومن يؤمن بأن السلام العادل هو الطريق الوحيد للبقاء.

كانت تلك اللحظة بمثابة تذكير لترامب بأن إسرائيل ليست كتلة واحدة، وأن داخلها أصواتًا ترفض منطق القوة وتبحث عن العدالة.

ما وراء المشاهد: إسرائيل بين الوهم والواقع
الاحتفالية المبالغ فيها في الكنيست لم تكن سوى محاولة لتغطية التصدعات الداخلية. فبينما كان العالم يتابع جهود إنهاء الحرب في غزة وتبادل الأسرى، كانت إسرائيل تحاول إظهار تماسكها أمام ضيفها الأميركي. لكن الواقع مختلف:

الاقتصاد الإسرائيلي يترنح تحت ضغط الحروب، والمجتمع يعيش انقسامًا حادًا بين يمين متطرف يجر الدولة نحو العزلة، ويسار يبحث عن مخرج من دوامة العنف.
أما نتنياهو، الذي يفاخر بانتصاراته، فقد خرج من كل معركة أكثر ضعفًا، وأقل قدرة على فرض رؤيته، حتى على أقرب حلفائه.

زيارة ترامب لم تكن مجرد حدث سياسي عابر، بل لحظة كشف. كشفت أن إسرائيل، بالرغم من قوتها العسكرية، تعاني من ضعف داخلي عميق.

ثلاثة مشاهد صغيرة كانت كافية لتعرّي دولة تُقدَّم للعالم كرمز للانضباط والديمقراطية، فإذا بها تبدو ككيان مرتبك تحكمه الأهواء، ويقوده الخوف من المستقبل.

في النهاية، قد تكون إسرائيل اليوم بحاجة إلى مراجعة ذاتها أكثر من حاجتها إلى دعم حليفها الأميركي، لأن الدول لا تنهار من الخارج، بل من الداخل حين تفقد بوصلتها الأخلاقية والسياسية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.