: آخر تحديث

‏المملكة وقمة شرم الشيخ!

2
4
4

‏ثار نقاش حول ما إذا كانت المملكة العربية السعودية قد خسرت موقعاً إقليمياً بارزاً بتغيب ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، عن قمة شرم الشيخ، مع اعتبار البعض أن مصر وقطر استطاعتا تعزيز دورهما في قضايا المنطقة، خاصة ملف السلام بين إسرائيل وفلسطين.
‏هذا الطرح، رغم أهميته، يحتاج إلى قراءة أعمق تأخذ في الاعتبار السياق الاستراتيجي للدبلوماسية السعودية، التي تتسم بالحكمة والتوازن، مع الإشادة بالدور المحوري لمصر وقطر في هذا المحفل. في هذا المقال، أتناولعلى هذه الجزئية، مؤكداً أن قرار التمثيل السعودي بوزير الخارجية كان خطوة مدروسة، تعكس استراتيجية دبلوماسية ذكية، مع الحفاظ على التقدير الكامل للجهود المصرية والقطرية المتميزة.

‏أولاً: الدبلوماسية السعودية متعددة المسارات
‏الدبلوماسية السعودية تعتمد على قنوات متنوعة، تشمل التنسيق الثنائي والوساطات الخفية، بالإضافة إلى المشاركة في المحافل الدولية. المملكة، بثقلها الإقليمي والدولي، تبني نفوذها عبر جهود تراكمية، وليس من خلال حضور حدث واحد. فدورها في دعم القضية الفلسطينية، من خلال تمويل مشاريع إعادة الإعمار في غزة أو استضافة مفاوضات المصالحة الفلسطينية، يعكس التزاماً مستمراً لا يقتصر على قمة بعينها.

‏ثانياً: الدور المصري والقطري المحوري
‏مصر وقطر لعبتا أدواراً محورية في قمة شرم الشيخ، تستحقان التقدير الكامل.
مصر، بموقعها الجغرافي والتاريخي كوسيط رئيسي في القضية الفلسطينية، قدمت منصة دبلوماسية متميزة، تعكس خبرتها الطويلة في إدارة المفاوضات الإقليمية.
أما قطر، فدورها الوساطي في غزة، وجهودها في تسهيل الحوار بين الأطراف، عزز مكانتها كشريك فعال في تعزيز الاستقرار.
‏هذه الأدوار لا تنتقص من الدور السعودي، بل تكمله ضمن إطار تعاون عربي متكامل، حيث تتشارك الدول العربية الأهداف ذاتها كما تجلى في مبادرات سابقة مثل الدعم المشترك للقضية الفلسطينية عبر الجامعة العربية أو التنسيق السعودي-المصري في استقرار لبنان.

‏ثالثاً: سياق القمة وسيطرة ترمب
‏شهدت القمة سيطرة واضحة من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على مجرياتها، سواء من خلال تحديد الأجندة أو الرمزية، مثل استخدام شعار الخارجية الأمريكية في المنصات الرسمية. في هذا السياق، كان حضور الأمير محمد بن سلمان قد يضعه في موقف لا يتناسب مع مكانة المملكة كشريك متساوٍ. ولعل تأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه "لايوجد إلا دولة واحدة في العالم وقائد واحد (ترمب) كان بإمكانه إيقاف رئيس الوزراء الإسرائيلي وجيشه في غزة، هي الولايات المتحدة وقد قررت القيام بذلك وهذا أمر مهم للغاية. " لذا فقد ترك MBS للرئيس ترمب الساحة للقيام بهذا الدور. وهكذا فإن قرار التمثيل بوزير الخارجية، مع التنسيق المسبق مع ترمب، كما يتضح من إشادته اللافتة بولي العهد خلال المؤتمر الصحفي، يعكس نهجاً دبلوماسياً ذكياً. ترمب أثنى على الأمير محمد بن سلمان، مشيراً إلى دوره "الرائع" وإلى التنسيق الهاتفي بينهما، مؤكداً مساهمة المملكة في "الانفراجة في غزة". هذا يبرز أن المملكة حافظت على تأثيرها دون الحاجة إلى حضور مباشر قد يُفسر بشكل خاطئ.

‏رابعاً: السيادة والتميز الدبلوماسي
‏تحت قيادة الأمير محمد بن سلمان، تتبنى المملكة دبلوماسية تقوم على الندية والشراكة المتوازنة. اختيار المحافل التي تحضرها القيادة يعكس حرصاً على تحقيق قيمة مضافة للمصالح الوطنية. التمثيل بوزير الخارجية في مثل هذه القمة هو ممارسة دبلوماسية ذكية، تحقق الأهداف مع الحفاظ على المكانة السيادية، بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030 التي تركز على تعزيز النفوذ الدولي.

‏خامساً: الشراكة الاستراتيجية العربية
‏العلاقات السعودية مع مصر وقطر تشكل ركيزة أساسية للتعاون العربي. التنسيق المستمر بين الرياض والقاهرة في ملفات الأمن الإقليمي والقضية الفلسطينية يعكس شراكة متجذرة. كذلك، التعاون مع قطر في دعم الوساطات الإقليمية يكمل الدور السعودي ضمن رؤية عربية موحدة، كما تجلى في أمثلة سابقة مثل اتفاق الرياض (2019) للمصالحة بين الفصائل اليمنية، الذي شهد تعاوناً عربياً فعالاً

‏سادساً: الحفاظ على المكاسب الاستراتيجية
‏المكانة الدولية التي بنتها المملكة في السنوات الأخيرة، خاصة مع بروزها كقوة اقتصادية وسياسية عالمية، لا تعتمد على حضور قمة واحدة. قرار عدم حضور ولي العهد يعكس حكمة في اختيار المعارك الدبلوماسية، حيث تفضل المملكة التأثير عبر قنوات فعالة، مثل التنسيق الثنائي والمبادرات الاستراتيجية، بدلاً من الظهور الإعلامي الذي قد لا يحقق نتائج ملموسة. وبينما لم تتضح بعد نتائج القمة بشكل كامل (حتى 14 أكتوبر 2025)، فإن غياب المملكة عن الحضور المباشر لم يقلل من نفوذها، بل عزز صورتها كشريك استراتيجي يعمل وفق رؤية طويلة الأمد

‏الخلاصة: الدبلوماسية السعودية في قمة شرم الشيخ لم تكن غياباً، بل حضوراً بطريقة مدروسة، تعكس قراءة دقيقة للسياق السياسي والإعلامي. اختيار التمثيل بوزير الخارجية، مع التنسيق المسبق مع الأطراف الرئيسية، أتاح للمملكة الحفاظ على مكانتها كشريك استراتيجي دون الوقوع في دائرة التبعية. في الوقت ذاته، يجب الإشادة بالدور المصري المتميز كمضيف للقمة، والجهود القطرية الفعالة في الوساطة، اللذين يكملان الجهود السعودية ضمن إطار تعاون عربي متكامل. الدبلوماسية الفعالة تعرف متى تحضر ومتى تغيب، وهذا النهج يعكس نضج السياسة الخارجية السعودية، التي تظل ملتزمة برؤية استراتيجية تحقق المصالح الوطنية وتدعم الاستقرار الإقليمي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.