: آخر تحديث

الرئيس ترامب منقذ الجنس الأبيض

1
0
0

عندما فاز فريق فرنسا (أغلب لاعبيه من أصول أفريقية) بكأس العالم كتبت أقول إن فريق فرنسا هو أول فريق أفريقي يفوز بكأس العالم!

وقال كل الفرنسيين (بما فيهم أفراد اليمين المتطرف) إن فريقهم هو فريق فرنسا ولاعبوه فرنسيون، ولكن عندما يسرق فرنسي من أصل أفريقي يقولون إنه مهاجر أفريقي ويهاجمون كل الفرنسيين من أصل أفريقي، بل ويطالبون بطردهم من فرنسا ويرفعون لافتات تقول: "عودوا إلى بلادكم". ورُفعت أيضًا تلك اللافتات في إنجلترا وغيرها من بلاد أوروبا.

وأخيرًا جاء في أميركا ترامب رئيسًا للمرة الثانية حاملًا اللواء ضد المهاجرين، وتخيل الكثيرون أنه جاء بمثابة "المنقذ" للجنس الأبيض. وميزة ترامب الهائلة هو أنه صريح جدًا وما في قلبه على لسانه، حتى لو أغضب لسانه العالم كله أو معظمه. فعندما قال ترامب: "نريد مهاجرين من النرويج"، بالطبع كان يريد مهاجرين من الجنس الأبيض. وقال أيضًا لكي يؤكد كلامي: "لا نريد مهاجرين من أفريقيا "حفرة الخراء" (Shit Hole)".

وهذا الأسبوع في خطابه الصريح جدًا في الأمم المتحدة قال: "إن أوروبا تنهار بسبب الهجرات غير الشرعية". وقال أيضًا: "لندن سوف تُطبق الشريعة الإسلامية"، في إشارة إلى زيادة المهاجرين المسلمين (غير البيض بالطبع).

وأنا أعرف تمامًا بأن لدى ترامب شعبية كبيرة في أميركا وخارجها، وخاصة لدى الجنس الأبيض أو من ينحدرون من أصول أوروبية، لأنه في تقديري أول رئيس أميركي أو أوروبي يُظهر قلقًا حقيقيًا ضد المهاجرين "غير البيض".

وطبعًا كل من يؤمنون بتفوق الجنس الأبيض عندهم حق لكي يقلقوا على مستقبلهم ومستقبل أولادهم وأحفادهم من انهيار الحضارة الغربية على أيدي هؤلاء المهاجرين الملونين الذين يأتون بثقافاتهم وديانتهم المختلفة، تلك الحضارة التي نعيش في ظلها منذ أكثر من خمسمائة عام.

وهناك بعض الحقائق قد لا يعلمها أو يعلمها معظم الأوروبيين والأميركان المنحدرين من أصول أوروبية:

أولًا: أوروبا ثم أميركا قدمت لكل الإنسانية هذه الحضارة الغربية العظيمة التي نتمتع بها حاليًا بكل منجزاتها، وهذه الحضارة تمت على أساس راسخ من العلم والقوة. وهذه القوة تم استخدامها لغزو واستعمار كل أفريقيا ومعظم آسيا والأميركتين. وكانت هناك أسباب عديدة لهذا الغزو وأبرزها وأهمها هو الحصول على الموارد الطبيعية من هذه الدول التي تم استعمارها، وفي بعض الأحيان كانت هناك حملات تبشيرية لنشر الديانة المسيحية لبعض الشعوب التي لم يكن لديها ديانات سماوية، وأيضًا موقع بعض هذه الدول كان موقعًا استراتيجيًا لحماية تجارة الإمبراطوريات الأوروبية. والغزو بهدف الاستيلاء على موارد الغير هو نشاط إنساني موجود منذ بدأ الإنسان يعيش في قبائل تغزو بعضها البعض، وقد فعلته كل الإمبراطوريات القوية مثل الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الإسلامية والعثمانية والفارسية. لذلك فإن جزءًا لا يُستهان به من ثروة الحضارة الغربية جاء من استغلال الموارد الطبيعية للدول التي تم استعمارها بواسطة بريطانيا (الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس) وإسبانيا والبرتغال وفرنسا وهولندا وألمانيا، حتى أنه في مؤتمر برلين عامي 1884 – 1885 تم رسميًا تقسيم أفريقيا بين دول أوروبا، واتفاقية سايكس – بيكو في أعقاب الحرب العالمية الأولى والتي تم بمقتضاها تقسيم بلاد الشرق الأوسط بين إنجلترا وفرنسا.

ثانيًا: عندما قام الأوروبيون بغزو الأميركتين وأستراليا قاموا بالقضاء على سكان البلاد الأصليين، في واحدة من أسوأ جرائم التطهير العرقي في التاريخ، حيث فقد ما بين 40 بالمئة إلى 55 بالمئة من الأشخاص حياتهم وأراضيهم وممتلكاتهم، والكثير منهم ماتوا بسبب الأمراض التي جلبها معهم الأوروبيون (مثل الحصبة والتيفويد) وهي أمراض لم يكن يعرفها سكان البلاد الأصليون. يعني كل أميركي يدعي أنه أميركي أصلي، أقول له إنه لا يوجد أميركي أصلي (بما فيهم مستر ترامب شخصيًا) سوى الهنود الحمر.

ثالثًا: الأوروبيون الأوائل الذين هاجروا أو غزوا أميركا (بعض أحفادهم اليوم يكرهون المهاجرين)، ملايين من البروتستانت هاجروا من أوروبا إلى أميركا هربًا من الاضطهاد الديني الكاثوليكي. ونفس هؤلاء عندما احتاجوا إلى أيدٍ عاملة رخيصة ذهبوا إلى أفريقيا (The Shit Hole) وخطفوا أو اشتروا حوالي 12 مليون أفريقي وشحنوهم مثل البهائم إلى أميركا ومات منهم في البحر حوالي 2 مليون أفريقي. والعشرة ملايين الذين وصلوا أصبحوا عبيدًا في أميركا يعملون ويُعاملون مثل البهائم بدون مقابل، ويتم بيعهم وشراؤهم مثل أي بقر. وهؤلاء ساعدوا في بناء الحضارة الأميركية العظيمة في المزارع والمصانع حول أميركا. وبعد الإسبان والبرتغاليين جاء مختلف المهاجرين من إيطاليا وبولندا وهولندا وألمانيا. وأحد أسباب عظمة أميركا هو تنوع المهاجرين والكل أضاف جزءًا من ثقافته إلى المجتمع الجديد، وفي النهاية أصبحنا نرى تلك الثقافة الأميركية العظيمة، ثم بعد ذلك جاء المهاجرون من المكسيك والصين والهند والشرق الأوسط وأفريقيا (أحرار تلك المرة)!

رابعًا: الهجرة هو نشاط أصيل في تاريخ الكرة الأرضية سواء هجرة الحيوانات أو الطيور أو الإنسان. الكل كان ولا يزال يهاجر بحثًا عن حياة أفضل أو بحثًا عن غذاء أو ماء أو عن منطقة آمنة، لذلك فإن نكران الهجرة هو ضد الطبيعة. الحيوانات والطيور تهاجر بدون الحاجة إلى تأشيرة أو جواز سفر، وكان الإنسان قديمًا يهاجر من مكان إلى مكان آخر بدون الحاجة إلى جواز سفر، حتى بداية القرن العشرين أثناء الحرب العالمية الأولى بدأ التعامل بجواز السفر، يعني شيء حديث جدًا من مئة سنة فقط من التاريخ الإنساني.

خامسًا: المهاجرون في النصف قرن الماضي إلى أوروبا وأميركا ينقسمون قسمان: قسم تعلم في بلاده أو خارج بلاده وجاء لكي يرى فرصًا أفضل، ومعظم هؤلاء نجح وتفوق. والقسم الآخر هو الأيدي العاملة والتي تقوم بمعظم الأعمال اليدوية الشاقة والتي يأنف من العمل بها معظم الأميركان والأوروبيين. ولا غنى للمجتمع عن القسمين سواء من مهندسين وأطباء ومحاسبين ورجال أعمال أو من العمال اليدويين. وقد كتب الكاتب الأميركي جورج فريدمان في سنة 2009 كتابًا بعنوان "المئة سنة القادمة، توقعات للقرن الواحد والعشرين"، وجاء في كتابه أنه سوف يجيء الوقت في القرن الواحد والعشرين أن تقوم بلدان أوروبا وأميركا واليابان بدفع أموال لجذب المهاجرين إليها.

سادسًا: المشكلة الأساسية التي لا يفهمها معارضو الهجرة سواء في أوروبا أو أميركا أو اليابان، هي نقص المواليد في بلادهم ولديهم ثلاث خيارات: إما زيادة المواليد أو استقدام المهاجرين أو إغلاق الباب أمام المهاجرين وتوقع نهاية جنسهم خلال قرن أو قرنين من الزمان. لذلك فإنه لا ترامب ولا أبو ترامب يستطيع حل المشكلة الديموغرافيَّة للجنس الأبيض، فهذا حال الدنيا حتى على مستوى الأسرة والعائلة الواحدة، إذا لم تُنجب أطفالًا للمستقبل فسوف تنقرض وتنتهي من الوجود على الكرة الأرضيَّة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.