: آخر تحديث
مع إطلاق "الزناد" الدولي

هل ينجح لاريجاني في إنقاذ مخالب الأخطبوط الإيراني في لبنان؟

2
2
2

 

في ظل التصدع الداخلي الذي يعصف بإيران، وارتفاع منسوب المطالب الشعبية إلى حد الإطاحة بالدكتاتورية الدينية، يجد نظام الولي الفقيه نفسه مرغمًا على إعادة ترتيب أوراقه في الإقليم، خاصة مع تصاعد الضغوط الدولية. هنا، تأتي الزيارات المتكررة لعلي لاريجاني، أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني والمستشار المقرب من المرشد، إلى لبنان، حيث زارها للمرة الأولى في آب (أغسطس) 2025 وستتكرر يوم السبت 27 أيلول (سبتمبر). هذه التحركات تحمل دلالات تتجاوز البروتوكول الدبلوماسي بكثير، فهي محاولة مستميتة لإعادة تثبيت مخالب الأخطبوط في المنطقة، وفي مقدمتها حزب الله، في وقت يتفاقم فيه الغضب الشعبي الإيراني ويهدد بزلزلة أركان السلطة.

مفارقة المرشد وصرخة "لا غزة ولا لبنان"
القرار الذي اتخذه المرشد علي خامنئي هو الاستمرار في سياسة التشدد وعدم التنازل، خاصة وأن آلية "الزناد" (التي تسمح بإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة) قد انطلقت ليلة السبت 27 أيلول (سبتمبر)، وفي خضم الوضع الاجتماعي المتفجر داخل إيران. خامنئي، العارف بأن أي تراجع عن سياساته القمعية الداخلية أو تدخلاته الخارجية قد يفتح الباب أمام الانتفاضة الساحقة، يفضل المضي قدمًا في طريق تقوية البنية العسكرية والأمنية للبلاد، والاعتماد على نياباته الإقليمية لـ"سد الطريق أمام الثورة".

إنَّ زيارة لاريجاني للبنان هي الترجمة العملية لهذا التوجه، خاصة مع تفعيل الزناد. هي محاولة لاستئناف استغلال "مخلب" النظام المتمثل في حزب الله، وتأكيد الدعم له في مواجهة أي مساعٍ لبنانية أو دولية لنزع سلاحه. مهمة لاريجاني تتلخص في تمرير رسالة واضحة: دعم لا محدود لاستمرار هيمنة الحزب على الساحة اللبنانية، وتدخّل سافر يهدف إلى تعطيل أي قرار سيادي لبناني ينزع سلاح الميليشيا أو يحدّ من نفوذها.

المفارقة المأساوية تكمن في أن هذا الدعم اللوجستي والعسكري والمالي لأذرع النظام في المنطقة، مثل حزب الله والحوثيين والميليشيات العراقية، يتم على حساب الشعب الإيراني الذي يعاني ويلات الفقر والعوز، وينشد الخبز والماء والكهرباء كأبسط الاحتياجات. صرخة الإيرانيين مدوية: "لا غزة ولا لبنان، روحي فداء لإيران". هذه الصرخة تختزل رفضهم لتبديد ثروات بلادهم على مشاريع إقليمية تخدم أجندة النظام الأمنية والبقائية على حساب رفاهيتهم وكرامتهم. وبينما يواجه الناس نقصًا حادًا في أدنى مقومات الحياة، يرى النظام أن الأولوية القصوى هي لتقوية "البنية العسكرية والأمنية" واستخدام هذه الأذرع كخط دفاع خارجي عن كيانه المترنح.

هل ينجح النظام في ترسيخ نفوذه المترنح؟
إن الرسالة التي يحملها لاريجاني إلى بيروت، والتي تُعد تدخلاً صارخًا في الشأن الداخلي، قوبلت بالفعل برفض سياسي وشعبي واسع في لبنان، كما اتضح من مواقف بعض المسؤولين الرافضة للقاء أو المستنكرة للتدخلات الإيرانية. هذه الزيارة، ومثيلاتها، لم تعد تمر دون اعتراض. فـلبنان، الذي يدفع ثمنًا باهظًا لتوريطه في أجندة النظام الإيراني، يعيش الآن مرحلة مفصلية، حيث تتصاعد الدعوات لإنهاء حالة "الاحتلال الإقليمي" ووضع حد لاستخدام أراضيه كساحة لتصفية الحسابات الإيرانية.

إن نجاح خامنئي في استغلال "مخلبه" المتبقي في لبنان أصبح مرهونًا ليس فقط بمدى قدرة حزب الله على المقاومة، بل بما يحدده اللبنانيون أنفسهم والمجتمع الدولي. فالضغوط الاقتصادية والسياسية على لبنان تجعل استمرار النفوذ الإيراني كارثة وطنية تضاف إلى الكوارث المتراكمة. حان الوقت كي تُقتلع "أظافر" خامنئي ومرتزقته ليس من لبنان وحسب، بل من المنطقة برمتها. اليوم، تتجلى الحاجة أمام القوى الوطنية اللبنانية والمجتمع الدولي لأن يتخذوا بأنفسهم مواقف أكثر حزمًا ووضوحًا لوقف هذا التمدد، ولتأكيد السيادة اللبنانية الكاملة. فبينما يطالب الإيرانيون بالإطاحة بالنظام، يتطلع اللبنانيون إلى إنهاء الوصاية الإيرانية. المصيران يلتقيان في هدف واحد: إنهاء الهيمنة الإيرانية التي جعلت من الشعوب رهينة لمشاريعها التدميرية.

هذه الزيارة الأخيرة ليست سوى دليل على أن النظام، مع اشتداد الخناق عليه داخليًا وخارجيًا، يستميت في الحفاظ على ورقة "الأذرع الميليشياوية" كورقة بقاء. ولكن، مع يقظة اللبنانيين وتصاعد صوت الشعب الإيراني الرافض لسياسات التوسع على حساب لقمة عيشه، يبدو أن يد الأخطبوط تحاول الإمساك بـ"مخلب" أصبح مهزوز الجذور في أرض لم تعد تقبل بزرعه.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.