: آخر تحديث

إنسانْ.. ده كلامْ؟

2
2
2

 

جلستُ في عتمة الذكريات، أُصغي لصوت أم كلثوم يتسلّل كندى على قلبٍ ظمآن؛ تُنشد: «أنساك.. ده كلام؟» تلك الأغنية التي شكّلت—مع شعر مأمون الشنّاوي ولحن بليغ حمدي—مفتاحًا لحنينٍ جمعيٍّ إلى زمنٍ كان للحب فيه سلطان.
في ذلك الزمن، كانت الأغنية قانونًا أخلاقيًّا غير مكتوب؛ اليوم تصدر الشاشات ضجيجًا، وتمحو من الأفئدة عُمْق الألحان.
وفجأةً... وجدتُ أصابعي تكتب بحبر الحنين، كأن الروح تتمرّد على زمنٍ صار "الإنسان" فيه غريبًا، والحبُّ سِجِلًّا منتهي الصلاحية!
فإذا كانت «أنساك» رفضًا لنسيان الحب، فنصُّنا أدناه رفضٌ لنسيان الإنسان نفسه.

إنسانْ.. دَهْ كَلَامْ؟
إنسانْ.. دَهْ زَمَانْ؟!
النَّهَارْدَهْ مِشْ مُمْكِنْ أَبَدًا
إِنَّكْ تِكُونْ إِنْسَانْ!!

فين قلبك فين؟
فين حبك فين؟
فين كل مشاعرك؟
بسأل يا ناس...
فين العاشقين؟!

فين دمعٌ على خد الغياب
يحرّك في الصخر إنسان؟
فين صبرٌ على جرح الهوى
ما بيقولش: «ده هوان»؟!

فين عينٌ إذا شافت خطأ
تدوّر عَ الخير في الخصام؟
فين أخلاق من كانوا هنا
يبنون بالودّ عالم؟

النهارده... صواريخ الكلام
تغزو السما بلا رادع؛
والقلوب... صناديق مقفلة،
والشفاه... جدران!!

نحن في زمن «اللّا-مشاعر»،
والكلمة... صارت مزمار؛
يصفّقون لمن يهدم الركن،
ويلعنون من يبني البنيان!
يخونون من يحمي البلاد،
ويُشهرون السلاح على من
يرفع راية الأوطان!

أقف على شرفة العصر، أُحصي أنوار المدن تتلألأ في السماء، وأحسّ القلوب تنطفئ تحت ظلٍّ ثقيل. الزمن الذي كنّا نسمّيه «جميلًا» ردّ علينا اليوم بحكم الوحشة. نظرات الناس صارت خرزات مسبحةٍ تعدّ الزلات، وقلوبهم خزائن تُقفل عند أول اختبارٍ للإنسانية.
ومع ذلك—تحت كل هذا الجليد—أسمع نبض ماءٍ يشقّ طريقه نحو ينبوعٍ جديد.
فهل يجود الغد بوقتٍ نكتب فيه «أنساك» ولا ننسى أننا بشر؟
لعلّ الخصوبة تعود إذا زرعنا في الصدور بذور ذاك الجيل الذي آمن أن الحب قانون سامٍ، وأن الصوت الجميل يربّي القلب على الرقة. حينئذٍ سندعو الزمن ليجلس في قفص الاتهام، ونحيي في المرآة وجه الإنسان الذي ضيّعناه—ثم نبدأ زمنًا آخر يشبه أحلامنا.

#نافذة
أُهدى هذه الكلمات إلى:

  • كل من يحمل في جيبه تراب وطن.

  • وكل من يركض خلف شمس الإنسان في ظلام هذا العصر.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.