الشعب الإيراني وحده قادر على رسم ملامح مستقبل دولته المدنية، بعد صراع طويل مع "الخمينية"، وذلك لا يعني استبعاد دور دول مجلس التعاون الخليجي باعتبارها دولاً قريبة جداً من إيران، ولها مصالح مشتركة في تحقيق الاستقرار، والأمن في منطقة الخليج.
هناك جبهات معارضة سياسية داخل إيران وخارجها، وهي معارضة منظمة وغير معلنة في مختلف أنحاء إيران، وقد يتأخر ظهور أو بروز الأدوار الإيرانية المتناغمة بسبب طبيعة الظروف الأمنية القمعية والتسلطية داخل إيران، لكن الأهداف والمصالح واحدة.
ومع ازدياد الحروب، وتوسع نطاق القمع والإرهاب، وتفاقم الصراعات العرقية في إيران على مدى عقود مضت، يتعاظم حجم وقوة جبهة المعارضة الإيرانية، خاصة في الداخل، إلا أن طهران والشعب الإيراني لا يزالان بحاجة إلى دعم وقيادة مشتركة ومساعدة لوجستية واستشارية.
الجديد في المشهد هو حتمية تغيير نظام الملالي في إيران، وتصفية الجماعات المسلحة مثل "الحشد" في العراق، و"الحوثي" في اليمن، و"حزب الله" في لبنان، من أجل رسم ملامح إيران جديدة، بمشاركة قوى إيرانية مدنية وأخرى خارجية مؤيدة للتغيير.
الصراعات الطائفية والنزعات العدائية التي تغذيها طهران طالت الخليج والشرق الأوسط ولم تستثنِ حتى قطر، الأمر الذي يعزز الحاجة إلى استشراف مستقبل إيران الجديدة، والتنسيق بين دول مجلس التعاون – أو معظمها – ومراكز البحث والدراسات فيها لمناقشة السيناريوهات المحتملة لما بعد "الخمينية".
اتساع دائرة الاستماع للمعارضة الإيرانية من قبل المؤسسات الأكاديمية الخليجية لا يعني التدخل في الشأن الإيراني، بل المشاركة في استشراف مستقبل واعد لإيران مدنية، ولا يجوز تفسير ذلك على أنه دعم لقيام دولة معادية للدين أو دولة فاقدة للاستقلال.
ليس من مصلحة دول الخليج إهمال الجانب الاستشرافي أو الامتناع عن تقديم مبادرة التنسيق السلمي والتعاون الإيجابي مع القوى التي يمكن أن تقود التغيير في إيران الجديدة، ومساعدتها على تحقيق انتقال سلمي للسلطة، وبلورة تفاهمات جديدة مع دول المنطقة.
لقد استشرى الصراع الطائفي والديني والقومي في الخليج والدول العربية، وبلغ حدًا مميتًا، حتى ترسخت مفاهيم القتل والنزيف الدموي المزمن وصراعات الهوية والدين ومجازر اجتماعية!
وبالتأكيد، ليس من مصلحة دول الخليج دخول إيران في حرب أهلية، أو "فوضى خلاقة" جديدة قد تكون أكثر تعقيدًا من تلك التي وقعت في العراق.
ومن هذا المنطلق تتجدد الحاجة إلى تدخل استشاري وتعاون غير عدائي، عبر قنوات مباشرة وغير مباشرة مع قوى المعارضة الإيرانية لاستشراف مستقبل منطقة الخليج العربي وتحديد التصورات لما بعد حرب إسرائيل وإيران.
فبعد حروب طاحنة شهدها الشرق الأوسط دون التوصل إلى حل واحد أو حتى اتفاق مقبول من جميع التنظيمات الفلسطينية لصالح القضية العربية، تتقلص فرص الوصول إلى حل فلسطيني شامل قبل التوافق العربي حول الحل الفلسطيني.
أما البيت الفلسطيني، فقد بات الانقسام عنوانه في الداخل والخارج، إلى جانب تشرذم القرار الفلسطيني، ولا نملك في المنطقة العربية رفاهية الانتظار أو ترف الوساطات المتكررة بين الفصائل الفلسطينية من جهة، وبينها وبين منظمة التحرير من جهة ثانية.
وفي ظل نتائج الحرب بين إيران وإسرائيل، يجب تعزيز الحذر من تقلبات جماعة "الإخوان المسلمين" في الوطن العربي، وفي الكويت تحديدًا من دون الحاجة إلى استحضار التاريخ العدائي لهذا التنظيم تجاه دول الخليج.
ولم يعد تنظيم "الإخوان المسلمين" منجمًا يُعول عليه في التنقيب فالحشد المتعمد لأذرعه السياسية والإعلامية ضد السعودية والدول الساعية إلى تحقيق السلام في الشرق الأوسط أو دعم التطبيع مقابل حل الدولتين ليس تطورًا مفاجئًا أو أمرًا مبتكرًا أو تجنياً!
ونخشى على إيران من الانزلاق إلى حرب أهلية، كما نخشى على الشعب الإيراني من تدخل جماعة "الإخوان المسلمين" لبناء جسور جديدة مع إيران ما بعد "الملالي"، حفاظًا على نافذة طهران الموالية للإخوان، ومصدر التمويل والتسليح لحركة "حماس"، الجناح الفلسطيني للجماعة.
لقد غرست الحروب العرقية والدينية أنيابها في الشرق الأوسط، وتغلغلت الطائفية في الجسد العربي والخليجي من البوابة "الخمينية"، وتحولت الهوية العربية إلى هويات هشة متآكلة.
ومن الخطأ السياسي الفاحش انتظار مفاجآت جديدة تنذر بتطورات تحصد أرواح البشر وتقود إلى نتائج لا تُحمد عقباها في حال انتشرت "الفوضى الخلاقة" في إيران الجديدة.
*إعلامي كويتي