: آخر تحديث

متى ستستيقظ كييف على "صفعة" واشنطن؟

2
2
3

كأنَّ أوكرانيا على موعد متجدد مع الحظ العاثر... حين تتقدم في الميدان تخسر في السياسة؛ وحين تتقدم في الدبلوماسية تنهار الجبهات. أمّا الآن، فيبدو أنّ لعنة واشنطن تلاحقها، وتطلّ هذه المرة، لا من نافذة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، بل من شباك الرئيس الجديد دونالد ترامب.

لم يكن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بحاجة إلى أن يقرأ افتتاحيات الصحف والمجلات الأميركية كي يدرك أنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يراهن على ضعف الغرب فحسب، بل على تراجع الغرب وعودته خطوة إلى الوراء.

بوتين الذي تمرّس في تطويع الزمن، يدرك أنّ ما لم يؤخذ بالقوة قد يُنتزع بالسياسة... وإن بعد حين. مَن يراقب المشهد الأميركي بعيون أوكرانية، لا يسعه إلاّ أن يشعر بأنّ الأرض بدأت تميد من تحته.

المخاوف في كييف لا تقتصر على تقهقر الدعم العسكري، بل تمتد لتشمل تغيّر المزاج الأميركي العام. فالرجل الذي عاد إلى البيت الأبيض في كانون الثاني (يناير) الفائت، لا يخجل بازدرائه لحلفاء حلف شمالي الأطلسي (الناتو)، ولا تعاطفه مع الكرملين. ترامب لم يُخف يوماً إعجابه ببوتين، وهذا هو جوهر القلق في أوكرانيا: أن تبيعهم واشنطن بثمن بخس، وتحت عناوين متعددة مثل "وقف النار"، أو "الحل الدبلوماسي".

تلك المصطلحات التي يروّج لها ترامب ومحيطه الجمهوري قد تكون مقدمة لتقسيم فعلي، أو تثبيت لما هو قائم على أرض الواقع. خصوصاً أنّ هذا التوجه يلاقى موافقة كافية في الداخل الأميركي، حيث سئم الكثيرون مما باتوا يعتبرونها "حرب الآخرين" في أوكرانيا.

زيلينسكي يعلم جيداً أنّ العالم لا يتعاطف مع الضعفاء إلى الأبد، وأن العواصم التي صفّقت له بالأمس ذات يوم، قد تُدير له ظهرها غداً. لذلك كان خطابه الأخير في باريس، شديد الواقعية. بل أقرب إلى محاولة استباقية من أجل رفع العتب. الرجل قالها بصراحة: "إذا خسرنا نحن، فأنتم أيضاً تخسرون". لكنّه لم يحدد من هم "أنتم" في زمن تغيّرت فيه التحالفات، التي بدأنا نلمس تقلّبها منذ بداية العام مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض.

أوروبا مربكة وتقف على طرفي نقيض: طرف أوروبي يخشى بلا مبرر الدور الروسي، وطرف آخر يخشى كلفة مواجهته ويعلم جيداً أنّها مستحيلة. وفي منتصف هذين التباينين، تقف أوكرانيا عاجزة ومكسورة.

أمّا الولايات المتحدة، فتعيش تجربتها الجديدة في زمن ترامب، عنوانها "الأولوية للداخل" أو "التوازن مع الصين". وعليه، فإنّ ما يُقال همساً في كييف، بات يُقال جهاراً في واشنطن: هل هذه الحرب تستحق أن تُخاض حتى النهاية؟ هل يُعقل أن تتورط أميركا في حرب استنزاف لا أفق لها، ومن أجل من، ولماذا؟ هل هي حرب من أجل دولة ليست حتى عضواً في "الناتو"؟ حسناً، فلنبحث عن الثمن.. ولهذا كانت صفقة المعادن النادرة.

هذا الخطاب بات سائداً في دوائر اليمين الجمهوري، ومنه يستمد ترامب قوة التفاوض فيما يراه بوتين فرصة للاستثمار في النصر. ليس من خلال وقف الدعم لكييف، وإنما من خلال إطلاق يد موسكو بموجب "صكّ مباركة" بأثر رجعي يؤدي إلى "تسوية تاريخية" لنزاع جيوسياسي مزمن قضّ مضجع القارة العجوز لعقود.

إن حصل ذلك، سوف يكون بمنزلة "الضربة القاضية" لأوكرانيا، التي سترضخ في نهاية المطاف لـ"استسلام ناعم". استسلام يعكس انهيار الإرادة الغربية، ويُعلن نهاية النظام الدولي الذي نشأ بعد الحرب الباردة.

وهنا، يتكرّر السؤال الذي ترفض كييف أن تطرحه علناً: ماذا لو استيقظت أوكرانيا يوماً على خريطة جديدة، رُسمت بين واشنطن وموسكو، ولم تكن هي جزءاً منها؟ هذا هو الكابوس الذي لا تملك كييف ترف القدرة على التأثير به اليوم، بعدما كانت السبب في وصولها إليه قبل ثلاث سنوات، وظنّت أنّ الغرب سيقف خلفها إلى ما لا نهاية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.