منذ بداية التأزم بين الولايات المتحدة الأميركية وملالي إيران حول تطوير برنامجهم النووي الذي ادعوا بأنه للأغراض السلمية، ولم يستطيعوا إقناع المجتمع الدولي بمصداقية ما ادعوا به لأن كل المؤشرات تشير إلى أنهم بصدد امتلاك السلاح النووي، وبالرغم من كل ما تم الاتفاق عليه سابقاً، وما أُلغي لاحقاً من اتفاق يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني نجد اليوم المفاوضات المباشرة بين الطرفين قد عادت بغية الوصول إلى اتفاق جديد واضح المعالم، جدي الخطوات، راسخ البنود.
إنَّ ملالي إيران حاولوا مراراً وتكراراً، وما زالوا يتلاعبون بحبال الوقت كي يخدعوا العالم بتسويفهم ومماطلاتهم عسى أن يصلوا إلى النسبة المطلوبة من تخضيب اليورانيوم الكافية لإنتاج أسلحة نووية، فهم يودون أن يفاجئوا العالم بامتلاكهم له، وكلهم اعتقاد أن ذلك سيقيهم الكثير من العوائق الجيوسياسية التي تعترضهم، وأنه سيخلّصهم من جملة المآزق التي وقعوا فيها بدءاً من العقوبات الدولية التي نخرت عظامهم فانهارت عملتهم وتضعضع اقتصادهم، مروراً بالتراشق السياسي المتأجج الحامل لتهديدات متصاعدة بشن ضربات عسكرية على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية من قبل إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، علها تصل إلى (ما تحلم به) ألا وهو دخول النادي النووي العالمي الذي يزيد من ثقلها على الساحة الإقليمية كي تمارس تمددها، وتحقق رغبتها بصياغة جديدة للمنطقة تتوافق وأطماعها، وتمهد لها طريق الهيمنة المدعومة بامتلاكها (للوثوي المنتظر).
إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو الذي ألغى الاتفاق السابق بشأن النووي الإيراني، وهو اليوم يمارس المفاوضات المباشرة مع إيران بشأن ذات الموضوع مع تمسكه بخياراته، وإملاءاته، لا سيما المستحدثة منها، وهي قضية الصواريخ البالستية التي لم يقبل الملالي التفاوض بشأنها، وإلى الآن نجد تضارباً فيما رشح من تصريحات عن طريق الإدارة الأميركية فيما يتعلق بمصير النووي الإيراني، فهل يتم الاكتفاء بتقييد تخصيب اليورانيوم بعيداً عن تفكيك البرنامج النووي الإيراني؟ أم تدمير كامل برامج ملالي إيران النووية والصاروخية البالستية؟ ما لمسناه أن هناك رغبة في التوصل إلى اتفاق دائم وملزم يضمن عدم وجود أسلحة نووية إيرانية مع احتفاظ إيران بقدرتها على تطوير طاقتها النووية للأغراض السلمية فقط.
لقد تقدمت إيران بشروطها الأساسية لإجراء المفاوضات، وكان من أبرزها (وقف التهديدات الأميركية الإسرائيلية المزعزعة لاستقرار المنطقة، تسهيل الاستثمار الأجنبي، الضمانات الأميركية الملموسة والجدية في كل ما يتعلق بالاتفاق...)، لكن يبدو أن الثقة تكاد تكون معدومة بين طهران وواشنطن، إلا أن الطرفين اعتزما بذل جهد دبلوماسي مشترك عنوانه (تجنب الحرب).
إنَّ الرئيس ترامب حسب تصريحاته في بداية تسلمه ولايته الثانية، كان قد أكد عزمه على إبعاد بلاده عن أتون الحرب العالمية، كما أعلن لاحقاً تراجعه عن جهود الوساطة لوقف الحرب في أوكرانيا، وهو ينسب لنفسه وقف خطط إسرائيل لضرب إيران، وذلك حسب ما جاء في صحيفة نيويورك تايمز، وبناء عليه يتبين أن ترامب غير مندفع في الوقت الراهن لخوض حرب ضد إيران قد تكبّده خسائر هو بغنى عنها، إلا أن المفاوضات الجديدة بين طهران وواشنطن هذه المرة تجري بعيداً عن دعوة شركائها في أوربا الذين وقعوا الاتفاق النووي عام 2015 في عهد الرئيس السابق باراك أوباما؛ ما يعني وجود مساحة أوسع تتحكم بها الولايات المتحدة الأميركية للمناورة، وممارسة الضغوط على إيران بما تراه أكثر ملاءمة وتوافقاً مع رؤيتها السياسية للشرق الأوسط الحالية والمستقبلية، ما يشكل عبئاً متزايداً، وحالة من الفزع يعيشها ملالي إيران خشية فشل مفاوضات الجولة الرابعة، لأن الفشل هنا يعني أن يواجه نظام ولاية الفقيه المزيد من التركيع الاقتصادي، والتثوير الشعبي، والتدخل الدولي الذي قد يؤدي إلى نهاية شبه حتمية لنظام ولاية الفقيه إذا تابع نهجه المتصف بالتعنت وتمييع الوقت.
إنَّ المعطيات الحالية لا تخدم نظام الملالي لأن الضغوط الدولية في تصاعد مستمر بسبب أن الغرب يعي تماماً حالة الضعف التي يمر بها حكام إيران، لذلك نجده يحاول استثمارها بفرضه شروطاً إضافية في المفاوضات مرتفعة السقوف عمّا كان عليه الاتفاق السابق؛ علماً أن النظام الإيراني المتهالك يحاول أن يبدي تماسكه لكنه تماسك هش مزيف، ومحاولة يائسة للتغطية على جملة الأزمات الخانقة التي يعيشها خارجياً وداخلياً، وكان آخر أزماته وليس آخرها هو التفجير الذي حصل في ميناء رجائي بمدينة بندر عباس، والذي أودى بحياة العشرات وجرح ما يقارب الألف، وقد تم اتهام إسرائيل به، وذلك بزرع متفجرات ضمن الحاويات حيث كان التفجير عن طريق التحكم عن بعد.
إنَّ نظام الملالي في إيران أصبح في موقف لا يُحسد عليه، خاصة إذا فشلت المفاوضات في الجولة الرابعة، ما يعني أن سقوطه بات قاب قوسين أو أدنى، وذلك بعد فقدانه لجملة من الأوراق التي كان يقايض بها، أما الآن فلم يعد يمتلك المزيد من الوقت لممارسة (بهلوانياته) المكشوفة، أو ليلعب دور (الحاوي) الذي يخرج الأفعى من السلة، والسبب عزفه الهزيل الفاقد لحرفنة نغمات السلم الموسيقي غير القادر على ترقيص الأفاعي!
ختاماً، أليس دعم نضال الشعب الإيراني ومقاومته، وتنفيذ برنامج المواد العشر للمقاومة الإيرانية، طريقاً أقصر وأسهل لإنهاء هذه الأزمات جملة وتفصيلاً؟ فلماذا يتخذ الغرب الطريق الأصعب ويصرّ على بقاء الملالي في الحكم؟